بالرؤيا. سجلتها في حينها في كتابي «اللوامع» (16) على صورة سياحة خيالية وبما يشبه النظم. وقد حان الآن وقت ذكر معناها وشرحها، حيث إنها تسلط الأضواء على الحقيقة المذكورة.

كنت أرى نفسي وسط صحراء شاسعة عظيمة، وقد تلبدت السماء بسحب قاتمة مظلمة، الأنفاس تكاد تختنق على الأرض كافة، فلا نسيم ولا ضياء ولا ماء، كل ذلك مفقود.

توهمت أن الأرض ملأى بالوحوش والضواري والحيوانات الضارة، فخطر على قلبي أن في الجهة الأخرى من الأرض يوجد نسيم عليل وماء عذب وضياء جميل، فلا مناص إذاً من العبور إلى هناك.. ثم وجدتني وأنا أُساق إلى هناك دون إرادتي.. دخلت كهفاً تحت الأرض، أشبه ما يكون بأنفاق الجبال، سرتُ في جوف الأرض خطوة خطوة وأنا أشاهد أن كثيرين قد سبقوني في المضي من هذا الطريق تحت الأرض دون أن يكملوا السير، إذ ظلوا في أماكنهم مختنقين، فكنت أرى آثار أقدامهم، وأسمع -حيناً- أصوات عددٍ منهم.. ثم تنقطع الأصوات.

فيا صديقي الذي يرافقني بخياله في سياحتي الخيالية هذه!

إن تلك الأرض هي «الطبيعة» و«الفلسفة الطبيعية»، أما النفق فهو المسلك الذي شقه أهل الفلسفة بأفكارهم لبلوغ الحقيقة، وأما آثار الأقدام التي رأيتها فهي لمشاهير الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو. (17) وما سمعته من أصوات هو أصوات الدهاة كابن سينا والفارابي.. نعم، كنت أجد أقوالاً لابن سينا وقوانين له في عدد من الأماكن، ولكن كانت الأصوات تنقطع كلياً، بمعنى أنه لم يستطع أن يتقدم، أي إنه اختنق.. وعلى كل حال فقد بينت لك بعض الحقائق الكامنة تحت الخيال لأخفف عنك تلهفك وتشوقك.. والآن أعود إلى ذكر سياحتي:

استمر بي السير، وإذا بشيئين يجعلان بيدي؛ الأول: مصباح كهربائي، يبدد ظلمات كثيفة للطبيعة تحت الأرض. والآخر: آلة عظيمة، تفتت صخوراً ضخمة هائلة أمثال الجبال فينفتح لي الطريق.


Yükleniyor...