فجسمي الذي هو مأوى روحي بدأ يتداعى ويتساقط حجراً إثر حجر على مرّ الأيام.. وآمالي التي كانت تشدّني بقوة إلى الدنيا بدأت أوثاقها تنفصم وتنقطع. فدب فيّ شعور بدنو وقت مفارقة من لا يحصى من الأحبة والأصدقاء، فأخذت أبحث عن ضماد لهذا الجرح المعنوي الغائر، الذي لا يرجى له دواء ناجع كما يبدو!. لم أستطع أن أعثر له على علاج، فقلت أيضاً كما قال نيازي المصري:

حكمة الإله تقضي فناء الجسد والقلب توّاق إلى الأبد

لهف نفسي من بلاء وكمد حار لقمان في إيجاد الضمد

وبينما كنت في هذه الحالة إذا بنور الرسول الكريم (ص) الذي هو رحمة الله على العالمين، ومثالها الذي يعبّر عنها، والداعي إليها، والناطق بها، وإذا بشفاعته، وبما أتاه من هدية الهداية إلى البشرية، يصبح بلسماً شافياً، ودواءً ناجعاً لذلك الداء الوخيم الذي ظننته بلا دواء، ويبدل ذلك اليأس القاتم الذي أحاطني إلى نور الرجاء الساطع. (6)

وحينما وطأتْ قدماي عتبة الشيخوخة، كانت صحتي الجسدية التي ترخي عنان الغفلة وتمدّها قد اعتلّت أيضاً فاتفقت الشيخوخة والمرض معاً على شن الهجوم عليّ، وما زالا يكيلان على رأسي الضربات تلو الضربات حتى أذهبا نوم الغفلة عنّي. ولم يكن لي ثمة ما يربطني بالدنيا من مال وبنين وما شابههما، فوجدت أن عصارة عمري الذي أضعته بغفلة الشباب، إنما هي آثام وذنوب، فاستغثتُ صائحاً مثلما صاح نيازي المصري:

ذهب العُمر هباءً، لم أفز فيه بشيء*

ولقد جئتُ أسير الدرب، لكنْ

رحل الرّكبُ بعيداً

وبقيتْ

ذلك النائي الغريب

وبكيتْ

همتُ وحدي تائهاً أطوي الطريق


Yükleniyor...