ثانياً: كان «سعيد» يضع درجة إفهام طلبته الأذكياء جداً موضع الاعتبار، ولم يكن يفكر في فهم الآخرين.

ثالثاً: لما كان يبيّن أدق وأرفع ما في نظم القرآن من الإيجاز المعجز، جاءت العبارات قصيرة ورفيعة.

بيد أنني أجَلت النظر فيه الآن بعين «سعيد الجديد». فوجدت أن هذا التفسير بما يحتويه من تدقيقات، يعدّ بحق تحفة رائعة من تحف سعيد القديم بالرغم من أخطائه وذنوبه.

ولما كان -أي سعيد القديم- يتوثب لنيل مرتبة الشهادة أثناء الكتابة، فيكتب ما يعنّ له بنية خالصة، ويطبق قوانين البلاغة ودساتير علوم العربية، لم أستطع أن أقدح في أي موضع منه، إذ ربما يجعل الباري عز وجل هذا المؤلَّف كفارة لذنوبه ويبعث رجالاً يستطيعون فهم هذا التفسير حق الفهم.

ولولا موانع الحرب العالمية، فقد كانت النيّة تتجه إلى أن يكون هذا الجزء وقفاً على توضيح الإعجاز النظمي من وجوه إعجاز القرآن، وأن تكون الأجزاء الباقية كل واحد منها وقفاً على سائر أوجه الإعجاز.

ولو ضمت الأجزاء الباقية حقائقَ التفسير المتفرقة في الرسائل لأصبح تفسيراً بديعاً جامعاً للقرآن المعجز البيان.

ولعل الله يبعث هيئة سعيدة من المنورين تجعل من هذا الجزء ومن «الكلمات» و«المكتوبات» الست والستين، بل المائة والثلاثين من أجزاء رسائل النور مصدراً، وتَكتُب في ضوئه تفسيراً من هذا القبيل...

ثم إني بينما كنت منتظراً ومتوجهاً لهذا المقصد بتظاهر هيئة كذلك -وقد كان هذا غاية خيالي من زمان مديد- إذ سنح لقلبي من قبيل الحس قبل الوقوع تقرّب زلزلة عظيمة، فشرعتُ -مع عجزي وقصوري والإغلاق في كلامي- في تقييد ما سنح لي من إشارات إعجاز القرآن في نظمه وبيان بعض حقائقه، ولم يتيسر لي مراجعة التفاسير، فإن وافقها فبِها ونِعْمَتْ وإلّا فالعُهدة عليّ.


Yükleniyor...