الحركة إلى «أياستافانونس». (172) ولو وحدي ثم أموت بشرف ورجولة. وعندئذٍ كان تدخلي في الأمور من البديهيات. فلا تبقى حاجة إلى التحقيق.

وفي اليوم الثاني استفسرت من الجنود المطيعين -الذين هم يمثلون عقدة الحياة لنا - فقالوا إن الضباط قد لبسوا ملابس الجنود، فالطاعة ليست مختلة كثيراً.

ثم كررت السؤال: كم من الضباط أصيبوا؟ فخدعوني قائلين: أربعة فقط، وهؤلاء كانوا من المستبدين. وسوف تنفذ آداب الشريعة وحدودها.

ثم تصفحت الجرائد ورأيت: أنها أيضاً ترى تلك الحركة حركة مشروعة وتصورها على هذه الصورة، ففرحت من جهة، لأن أقدس غاية لديّ هي تطبيق الأحكام الشرعية تطبيقاً كاملاً. ولكن يئست أشد اليأس وتألمت كثيراً باختلال الطاعة العسكرية. فخاطبت الجنود بلسان جميع الجرائد وقلت:

«أيها الجنود! إن كان ضباطكم يظلمون أنفسهم بإثم واحد فإنكم بعصيانكم تظلمون حقوق ثلاثين مليوناً من العثمانيين وثلاثمائة مليونٍ من المسلمين. لأن شرف العثمانيين وعامة المسلمين وسعادتهم ولواء وحدتهم قائمة -بجهة- في طاعتكم.

ثم إنكم تطالبون بالشريعة ولكنكم تخالفونها بعصيانكم هذا».

ولقد باركتُ حركتهم وشجاعتهم لأن الصحف التي هي ألسنة كاذبة للرأي العام قد أظهرت لنا أن حركتهم مشروعة. فلقد تمكنت -بتقديرهم هذا- أن أؤثّر بنصيحتي فيهم. فهدّأتُ العصيان إلى حدٍ ما. وإلّا لما كان الأمر يكون سهلاً. (173)

ولكن وا أسفى، لقد وضع المعجبون بالتطرف في هذه الحادثة سداً أمام رغبات الأمة المشتاقة إلى المشروطية المشروعة التي فيها سعادتنا ومنبع حياتنا الاجتماعية العطشى إلى المعارف والعلوم الحديثة المنسجمة مع الإسلام، وذلك بإلقائهم الأغراض الشخصية والفتن في المشروطية. زد على ذلك أعمال المثقفين المتسمة بالإلحاد وعدم الاكتراث بالدين. (174)

Yükleniyor...