وبخلافه فإن تفسير الحرية والعمل بها على أنها التحرر من القيود والانغمار في السفاهات والملذات غير المشروعة والبذخ والإسراف، وتجاوز الحدود في كل شيء اتباعاً لهوى النفس.. مماثل لمن يتحرر من أسر سلطان واحد ويدخل في استبداد حقراء سافلين كثيرين. فضلاً عن أن هذا النمط من الحرية يُظهر أن الأمة غير راشدة ومازالت في عهد الصبوة وليست أهلاً للحرية. فهي سفيهة إذن تستحق الحجر عليها، بالرجوع إلى الاستبداد السابق البائد...

وبناء على ما سبق لاينبغي أن ننخدع، بل نجعل القاعدة الآتية دستور عمل لنا وهي: «خذ ما صفا دع ما كدر» وفي ضوئها سنأخذ من الأجانب -مشكورين- كل ما يعين على الرقي المدني من علوم وصناعات. أما العادات والأخلاق السيئة، فهي ذنوب المدنية ومساوئها التي لا يتبين قبحها كثيراً لكونها محاطة بمحاسن المدنية الكثيرة.

فنحن لو أخذنا منهم المدنية -بسوء حظنا وسوء اختيارنا- بما يوافق الهوى والشهوات -كالأطفال- تاركين محاسنها التي تحتاج إلى بذل الجهد للحصول عليها، نكون موضع سخرية كالمخانيث أو كالمترجلات، إذ كيف إذا لبست المرأة ثياب الرجل ولبس الرجل ثياب المرأة يكون كل منهما موضع سخرية واستهزاء. ألا ما يكون لنا أن نتجمل بمساحيق التجميل!..

ينبغي لنا الإقتداء باليابانيين في المدنية، لأنهم حافظوا على تقاليدهم القومية التي هي قوام بقائهم وأخذوا بمحاسن المدنية من أوروبا. وحيث إن عاداتنا القومية ناشئة من الإسلام وتزدهر به فالضرورة تقتضي الاعتصام بالإسلام...

نحن على أمل عظيم أن تثمر مزرعة الأناضول ورومَلي شباناً غيارى. فلا جرم أن الممالك العثمانية محل ظهور الأنبياء، ومهد الدول الحضارية، ومشرق شمس الإسلام. فإذا ما نمت هذه الاستعدادات المغروزة في الإنسانية بغيث الحرية، فإنها تتحول إلى شجرة طوبى من الأفكار النيرة وتمتد أغصانها إلى كل جهة، وسيجعل الشرق مشرقاً للغرب، إن لم تفسد وتنخر بالكسل والأغراض الشخصية...

إن الشريعة الغراء تمضي إلى الأبد لأنها آتية من الكلام الأزلي. والبرهان الباهر عليه هو أن الشريعة تتوسع وتنمو نمو الكائن الحي أي بنسبة نمو استعداد الإنسان وتشربه من نتائج

Yükleniyor...