العريضة للأوضاع السائدة في تلك الفترة والقسمات البارزة لأوضاع كل مرحلة، لتكتمل لديه صورة المرحلة، وليلمس بنفسه أهمية الأمور التي يتطرق إليها الأستاذ النورسي في «الملاحق».

كانت تركيا في تلك الفترة (١٩٢٠-١٩٥٠) تعيش في ظلام قاتم من الظلم والطغيان والعداء السافر للدين؛ فالسلطة الحاكمة آنذاك أرادت قطع الأمة عن عقيدتها، فحظرت تداول القرآن الكريم، وألغت المدارس الدينية، ومنعت أداء فريضة الحج بحجج مختلفة، وحرمت أداء الأذان وإقامة الصلاة وخطبة الجمعة بالوجه الشرعي وبدّلتها إلى التركية، وفرضت الزي الأوروبي والسفور على النساء، وألغت الحروف العربية المستعملة إلى اللاتينية، وفرضت يوم الأحد عطلة رسمية بدلا من يوم الجمعة، ووضعت القوانين الأوروبية موضع التنفيذ بدلا من أحكام الشريعة، وألّفت المحاكم في طول البلاد وعرضها لتطبيق هذه القوانين، فزرعت الإرهاب والذعر في قلوب الناس ونصبت المشانق للعلماء ولكل من تحدثه نفسه بالاعتراض على السلطة الحاكمة. ومن جهة أخرى كانت تُروّج للقومية التركية وامتيازها على غيرها من القوميات، وتُقدّس الزعماء إلى حد التأليه، وتدرّس الفلسفة المادية وإنكار الخالق والآخرة في المدارس مع بث روح الإعجاب بحضارة أوروبا إلى حد التميع.

ومن هنا نرى أن مرحلتي «بَارلَا» و«قسطموني» خاصة (١٩٢٧-١٩٤٤) -وكذا أميرداغ- تتميزان بالعمل السري التام والتأسيس الصامت، والتأكيد على الحذر الشديد لإرساء القواعد، وتربية طلاب يتحلون بالإخلاص الكامل والتفاني في العمل والوفاء الخالص والشغف بالدعوة والارتباط المتين بها، وبُعد الهمة في سبيل نشر رسائل النور التي هي تفسير للقرآن الكريم والعمل المتواصل في ترسيخ حقائق الإيمان في النفوس ودفع الشبهات عنها، في الفترة التي تعدّ أقسى الفترات التي مرت على تركيا حيث الحرب الضروس على الإسلام قائمة تشتد كلما مرّ الزمان، فضلا عن مصائب الحرب العالمية الثانية -في مرحلة قسطموني- التي أذاقت الناس الجوع والفقر مع الخوف والهلع رغم بقاء تركيا في الحياد منها.

استمرت هذه السنوات العجاف والأجواء الحالكة حتى هيأ الله سبحانه ثلة من الطلاب الميامين من الرعيل الأول من طلبة النور شمروا عن ساعد الجد في العمل الدؤوب، قلوبهم تفيض بالإيمان، أرواحهم مشبوبة نضرة ملآى بحب الله ورسوله ﷺ، صدورهم


Yükleniyor...