٥- اتخذي هذا الدستور السامي دليلاً: «من آمن بالقدر أمِنَ من الكدر» . ولا تلهثي وراء لذائذ موقتة تافهة كالطفل الغرير. فكري دوماً أن الأذواق الفانية تورث فيك حسرات وآلاماً معنوية، بينما الآلام والمشقات تورث لذائذ معنوية وأثوبة أخروية. فإن لم تكوني بَلْهَاءَ، يمكنك أن تتحري عن الأذواق الموقتة للشكر وحده، وما أُعطيتِ اللذاتِ إلّا للشكر.

§سعيد النورسي>

∗ ∗ ∗


[حوار مع النفس]

إخواني الأوفياء الصادقين الأعزاء!

أولا: لقد خطر على بالي أن أكتب لكم، لأُطْلعكم على ما جرى من مناظرة خاصة مع نفسي، وهي الآتية:

إن اللوحة المعلقة فوق رأسي -المعروفة لديكم- تُخرس نفسي الأمارة وتُلزمها الحجة تماما، ولكني -في هذه الليلة- تعرضت لهجوم شنته دوافعُ مشاعري وأحاسيسي العمياء التي تستعمل سلاح النفس الأمارة بالسوء بإصرار أكثر، فأثّرت تأثيرا بالغا في عروقي وأعصابي، وأنا أعاني من حالة عجيبة تولدَت من آلام الأمراض وتألمات التسمم والأسقام ورهافة الحس، فضلا عن إلقاءات الشيطان وإيحاءاته، وحبّ الحياة المغروز في الفطرة.. ففي خضم هذه الحالات هاجمتْ تلك الأحاسيسُ والمشاعر العمياء -وهي في حكم النفس الأمارة الثانية- قلبي وروحي، موحيةً باحتمال وفاتي ومغادرتي الحياة الدنيا. فنشرتْ يأسا قاتما وتألُّما عميقا وحرصا شديدا على الحياة مع استمراءٍ لها وتلذذ بها.

فقالت تلك النفس الأمارة الثانية مع الشيطان:

لِمَ لا تسعى لراحة حياتك؟ بل ترفضها. ولِمَ لا تتحرى عن حياة ممتعة بريئة طيبة تقضيها طوال عمرك ضمن دائرة النور؟ بل ترضى بالموت وتطلبه!

وعلى حين غرة ظهرت حقيقتان صارمتان أخرستا النفس الأمارة الثانية والشيطان معا، وهما:


Yükleniyor...