فلولا وجود قوةٍ لا حدّ لها في كل ذرة من ذرات الهواء، وإرادةٍ لا حصر لها، وعلمٍ تام محيط بلهجات المقرئين في تلك المراكز على الأرض كلها، ولولا وجود بصر حاد محيط يرى أولئك جميعهم، ولولا سمع يقدر على سماع كل شيء في آن واحد، دون أن يشغله شيء عن شيء.. لَمَا أمكن وصول كلمة قرآنية -الحمد لله مثلا- إلى آذاننا في الدقيقة نفسها التي تبث فيها من المركز، بحروفها الكاملة وبلهجتها ولغتها، بل بنبرات صوت المتكلم بها، دون أن يطرأ عليها تغيير. كل ذلك بوساطة تلك الذرات التي في حفنة هواء جهاز الراديو الصغير. فإيصال مختلف كلمات القرآن، بمختلف الأصداء والأصوات من دون تغير ولا خلل، إلى أسماعنا، إنما هو بتلك القدرة المطلقة والصفات المطلقة. ولولاها لمَا وجدتْ ولا ظهرت هذه المعجزة، معجزة القدرة.

أي إن ذرات الهواء، في هذا الجهاز الصغير، لا تنال القيام بتلك الأعمال المعجزة، ولا تُظهر معجزة القدرة، إلّا بقدرةِ مَن هو قدير مطلق، وبإرادته، ومن هو عليم سميع بصير محيط بكل شيء، ومن لا يصعب عليه شيء، بل أعظم شيء كأصغره أمام قدرته..

وبخلاف هذا فإن إسناد هذا الأمر المعجز إلى المصادفة العشواء والقوة العمياء والطبيعة الصماء -التي يُظن وجودُها في موجات الهواء- إنما هو جعلُ كل ذرة من ذرات الهواء، والهواءِ المحيط بالأرض حكيما مطلقا بصيرا بكل شيء، عليما لا يخفى عليه شيء، قادرا على كل شيء!. وما هذا إلّا خرافة ممجوجة ومحالٌ بل محالات بعيدة كل البعد عن منطق العقل..

ألاَ فليأت أهل الضلال، وليروا: ما أبعدَ مذهبهم عن العقل!

النقطة الثالثة: إن الهواء الضئيل جدا الموجودَ في جهاز الراديو الصغير، يؤدي مهمة السندانة لأزاهير الكلمات المعنوية الطيبة. فيظهر من معجزات القدرة الإلهية ما يبين أن كل ذرة منه تثبت وجود الله سبحانه وتعرّفه بذاته المقدسة وصفاته الجليلة.

فلقد ساح الحكماء الفلاسفة، والعلماء الأعلام في جنبات الكون خيالا، ووضعوا ما فيه نصب نظر العقل، ليثبتوا وجوده سبحانه و وحدانيته، بإيراد دلائل واسعة عظيمة، ومن بعد ذلك ينالون معرفة الله الحقة. بينما هناك حقيقة وهي: أن الشمس حالما تشرق، تبيّنها قطعة من زجاج مثلما يبينها سطح البحر، أي كلٌّ منها يشير إلى تلك الشمس. فبناء على هذه الحقيقة،


Yükleniyor...