وكذا لا يلزم قطعا ذم الذين ارتحلوا وذهبوا إلى الآخرة ودار الجزاء. فليس من مقتضى محبة آل البيت -الذين أُمِرنا بحبهم- بيانُ تقصيرات أولئك بيانا لا جدوى منه بل فيه ضرر.. لأجل كل هذا فقد مَنع أهلُ السنة والجماعة مناقشةَ الفتن التي وقعت زمن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

ولاشتراك الذين بُشّروا بالجنة كالزبير وطلحة وكذلك أُمنا عائشة الصديقة رضي الله عنهم أجمعين في واقعة الجمل، فقد حكم أهلُ السنة والجماعة على تلك الواقعة؛ أنها نتيجة الاجتهاد، وأن سيدنا عليا رضي الله عنه كان محقا وعلى صواب والآخرون ليس لهم الحق. ولكن لأن الأمر ناشئ من الاجتهاد فهم معفوّ عنهم. ثم إنهم -أي أهل السنة والجماعة- يرون أن مناقشة أمر البُغاة في حرب صفّين فيها ضرر، إذ تثير المناقشةُ نزعتين متضادتين هما: نزعة تقف ضد محبة آل البيت، وأخرى تغلو في حبهم «كالرافضة» فيتضرر الإسلام نتيجة ذلك.

لقد قال إمام علم الكلام سعد الدين التفتازاني أنه: «يجوز لعن يزيد» وأمثالِه من الظالمين كالحَجاج والوليد. ولكن لم يقل: إن «اللعن واجب، أو فيه خير وفضيلة، أو فيه ثواب وأجر» لأن الذين ينكرون القرآن الكريم ويجحدون بالرسول ﷺ ويرفضون صحبة الصحابة الكرام للرسول ﷺ كثيرون جدا لا يعدّون ولا يحصون، وهم يصولون ويجولون أمامنا.

ومن المعلوم شرعا أن المرء إن لم يتذكر أحدا من الذين يستحقون اللعنة ولم يلعنهم فليس في هذا بأس قط، لأن الذم واللعنة ليسا كالمدح والمحبة، فهما لا يَدخلان في الأعمال الصالحة، وإن كان فيهما ضرر فهو أدهى.

وفي الوقت الحاضر، استغل المنافقون بعض العلماء فأثاروا فيهم نزعة -ضد أهل البيت- علما أن العلماء هم المأمورون بالحفاظ على الإسلام والحقائق الإيمانية، حتى وصل بهم الأمر إلى مهاجمة أهل الحقيقة واتهامِهم بانتحالهم نزعة التشيّع، ونشب العداءُ بينهما بحيث أنزل أولئك المنافقون ضربتهم القاضية بالجهتين معا، وذلك باستعمال كلّ منهما ضد الآخر ووضعِه في مجابهته. فهؤلاء الذين يسعون في إنزال الضربة القاضية بالإسلام ماثلون أمامنا.. وقد دوّنتَ جزءا من هذا في رسالتك وأنت تعلم يا أخي أن أخبث الوسائل المؤثرة على رسائل النور وعليّ بالذات -والمستعملة حاليا- قد وجدوها لدى العلماء.

Yükleniyor...