عمله هذا لا ينقص من أهمية عملنا وقيمتهِ ولا من ثمراته شيئا. لذا فإن طلاب رسائل النور الحقيقيين واثقون كلّ الثقة ومطمئنون كلّ الاطمئنان بمثل هذه النتائج وحصيلةِ الأعمال هذه، إذ إن القناعة القلبية لدى مريدي ذلك القطب العظيم يحققها ويَضمَنُها المقامُ الرفيع لأستاذهم ومرشدهم، ويضمنها أحكامه في المسائل، إلّا أن رسائل النور تنشئ لدى طلابها درجةً من القناعة أكثر بكثير مما عند مريدي ذلك القطب العظيم، بما فيها من حجج قاطعة تسري إلى الآخرين فتنفعهم أيضا، بينما تبقى قناعةُ أولئك المريدين خاصة بهم وحدهم. إذ إن قبول أقوال الأشخاص العظام بغير دليل لا يفيد اليقين والقطعية -في علم المنطق- بل ربما تكون قضية مقبولة يقتنع بها الإنسانُ بالظن الغالب. أما البرهان الحقيقي -كما هو في المنطق- فلا يَنظر إلى مكانة الشخص القائل وإنما إلى الدليل الذي لا يُجرَح.

فجميعُ حجج رسائل النور هي من هذا القسم، أي من «البرهان اليقيني»، لأن ما يراه أهلُ الولاية من الحقائق بالعمل وبالعبادة وبالسلوك وبالرياضة الروحية، وما يشاهدونه من حقائق الإيمان وراء الحجُب، فإن رسائل النور تشاهدها مثلهم أيضا، إذ شقّت طريقا إلى الحقيقة في موضع العبادة ضمن العلم، وفتحت سبيلا إلى حقيقة الحقائق في موضع السلوك والأوراد ضمن براهين منطقية وحجج علمية، وكشفت طريقا مباشرا إلى الولاية الكبرى في موضع علم التصوف والطريقة ضمن علم الكلام وعلم العقيدة وأصول الدين؛ بحيث انتصرت على الضلالات الفلسفية التي تغلّبت على تيار الحقيقة والطريقة في هذا العصر. والشاهد هو الواقع.

وكما أن حقيقة القرآن -التي هي في منتهى القوة وسدادِ المنطق- قد نجّت سائرَ الأديان من صولة الفلسفة الطبيعية وتغلّبها عليها، وأصبح القرآنُ نقطةَ استناد لتلك الأديان حتى حافظت -إلى حدٍّ ما- على أصولها التقليدية والخارجة عن العقل؛ فرسائل النور كذلك -ولا مشاحة في الأمثال- وهي معجزةٌ من معجزات القرآن الكريم ونور مفاض منه في هذا الزمان، قد حافظت على الإيمان التقليدي لدى عوام المؤمنين من صولة تلك الضلالة العلمية المخيفة الناشئة من الفلسفة المادية، وأصبحت نقطةَ استناد لأهل الإيمان كافة، وفي حكم قلعة حصينة لا تُقهر للمؤمنين كافة القاصي منهم والداني على السواء، بحيث إنها تحفظ أيضا -في خضم


Yükleniyor...