ثالثا: إن أساسا من أسس رسائل النور هو معرفة الشخص بقصوره في قرارة نفسه، والاندفاعُ إلى خدمة الإيمان بتفانٍ ابتغاء مرضاة الله وحده دون الالتفات إلى الآخرين.

بينما الاختلاف الموجود فيما بين أهل الطريقة من أصحاب الكرامات والمتلذذين من الكشفيات ووجودُ شيء من الحسد والمنافسة فيما بينهم، ولاسيما في هذا العصر الذي عمّت فيه الأنانية والغرور -كل ذلك- ساق أهلَ الغفلة إلى إساءة الظن بأولئك الطيبين المباركين واتهامِهم بأنهم أنانيون.

ومن هنا نرى لماذا لا يسأل طلاب النور الكراماتِ والكشفياتِ لشخصهم ولماذا لا يلهثون وراء تلك الأمور، وكيف أن هذا الطَّور هو الألزم لهم والأوجب عليهم.

ثم إن في مسلك رسائل النور لا تُعطَى الأهميةُ للشخص؛ حيث يكتفي الجميع بما نالت رسائلُ النور -من حيث المشاركة المعنوية والفناء في الإخوان- من آلاف الكرامات العلمية ومن يسر في نشر الحقائق الإيمانية، وبما يجد أولئك الطلاب من بركة في معايشهم.. وأمثالها من الإكرامات الإلهية.. لذا لا يفتشون عن كمالات وكرامات أخرى شخصية.

رابعا: من المعلوم أن مئات من رياض الدنيا لا توازي شجرة من أشجار الجنة، وذلك لأن الأولى فانية والثانية خالدة.

وأن أحاسيس الإنسان الماديةَ هي أحاسيس مطموسة تُعجبها اللذة العاجلة، فتفضّل ثمرةً حاضرة على روضةٍ آجلة من رياض الجنة الباقية، لهذا لا يسأل طلاب النور الأذواقَ الروحانية والكشفيات المعنوية في الدنيا. فلا تَستغل النفسُ الأمارة هذه الحالَةَ الفطرية في الإنسان.

وشبيه بحالة طلاب النور هذه ما يُحكى: أن وطأة العيش قد اشتدت على رجل صالح من الأولياء وعلى زوجته التقية الورعة وكان لهما مقام عند الله. ولكن شدة ما ألمّ بهما من الضرورة أَلجأتِ الزوجةَ الصالحةَ أن تقول لزوجها:

- إن حاجتنا لشديدة!

وإذا بهما يريان لبنة من ذهب خالص أمامهما.


Yükleniyor...