حوادث بشرية مضرة شريرة عرَضية غير أصيلة، ومن ثم يلصق بها عقلا وروحًا، ويبذل الاهتمام البالغ بها.

نعم، لا يصح ذلك قطعا إلّا إذا كانت الدنيا خالدة أبدية، وتلك الحوادث دائمة مستمرة، والضر والنفع يأتيان منها، والقائمون بها لهم القدرة على الإيجاد والخلق.. والحال أن تلك الحالات حالات طارئة مضطربة عابرة كهبوب الرياح، وتأثير المسبّبين فيها تأثير عرضي غير حقيقي فضلا عن أنه جزئي. أما منافعها وأضرارها فلا تأتي من الشرق ولا من البحر المحيط، بل ممن هو أقرب إليك من حبل الوريد، وممن يحول بين المرء وقلبه، وممن يربّيك ويدبر شؤونك.. ذلك الرب الجليل.. أليس من البلاهة ألّا تهتم بربوبيته وحكمته؟

وإذا ما نظرنا إلى المسألة من زاوية الإيمان والحقيقة رأينا أن اهتماماتٍ من هذا القبيل تولد أضرارا جسيمة، إذ تدفع الإنسان إلى ميدان فسيح لا ضوابطَ له حتى تورثه الغفلة فتغرقه في أمور الدنيا وتنسيه واجباته الحقيقية نحو الآخرة.

ولا شك أن أوسع دائرة من تلك الدوائر الواسعة هي السياسة وأحداثها. ولاسيما الحوادث العامة كالحرب، فإنها تغرق القلب في الغفلة بل تخنقه خنقًا، حتى لا يمكن إنقاذه إلّا بإيمانٍ ساطع كالشمس يَقدر على مشاهدةِ أثرِ القَدَر الإلهي والقدرة الربانية في كل شيء، في كل حال، في كل حركة وسكون، كي لا يغرق القلب في ظلام دامس من الظلمات ولا ينطفئ نورُ الإيمان الوهاج ولا يزل العقل إلى مفهوم الطبيعة والمصادفة.

ومن هنا نرى أن أرباب الحقيقة يحاولون تناسي دائرة الكثرة بلوغا إلى الحقيقة ووجدان طريقٍ إلى معرفة الله. وذلك لئلا يتشتت القلبُ والاهتمام والذوق والشوق، وليصرفوها جميعا إلى ما يلزم لا إلى ما لا يلزم من الفانيات.

ومن هذا السر الدقيق لا يكون قسمٌ من السياسيين -على الأغلب- على تقوى كاملة، ولا يكون الذين هم على تقوى وصلاح تام سياسيين، ما خلا الصحابة الكرام وأمثالهم من المجاهدين من السلف الصالحين. بمعنى أن الذين اتخذوا السياسة هدفا لهم يأتي الدين لديهم في المرتبة الثانية ويكون حكمُه حكمَ التابع. أما المتديّن حق التدين فيرى العبودية لله تعالى أعظم غايته في الكون، فلا ينظر إلى السياسة نظرَ العاشق الولهان، بل ينظر إليها -حسب


Yükleniyor...