وهي مزيج من الهوس والمشاعر والطبائع، وهي موغلة في الأعصاب والعروق، وهي الحصن الأخير الذي تحتمي به النفسُ الأمارة، وهي التي تتولى القيام بوظيفة النفس الأمارة السيئة السابقة -التي تزكّت منها- فتجعل المجاهدة تستمر إلى نهاية العمر.

وأدركتُ حينها أن أولئك الأفذاذ الميامين ما كانوا يشكون من النفس الأمارة الحقيقية، بل من نفس أمارة مجازية. ثم شاهدت أن الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي أيضا يخبر عن هذه النفس المجازية.

ولما كانت حواس هذه النفس الأمارة الثانية عديمة الشعور، عمياءَ لا تبصر، فلا تَفهم أقوال العقل ولا تدرك نصائح القلب، ولا تُعير لها سمعا كي تنصلح وتدرك تقصيراتها، لذا لا ترتدع عن السيئات إلّا بلطمات التأديب وصفعاتها وبالآلام، أو بالتضحية التامة بحيث يضحي المرءُ بمشاعره وحواسه كلِّها للهدف الذي يصبو إليه فيترك أنانيته كليا، بل كلَّ ما يملكه لذلك الهدف، كما تركه طلاب النور الخواص.

وفي هذا العصر العجيب، تتفق النفسان الأمارتان -الحقيقيةُ والمجازيةُ- معا بتلقينات رهيبة، حتى تدفعا الإنسانَ ليَدخل في السيئات والآثام طوعا وبرغبةٍ منه، تلك السيئات التي ترتعد من شناعتها الكائنات.

حتى إنني في غضون دقيقة واحدة، وبضيق قليل جدا فَوَّتُّ حسنةً عظيمة جدا. وقد حدث أيضا ضمن مجاهدة معنوية عظيمة خلال عشر دقائق، عندما كان أحدُهم وهو في صفي يخترق صفوف أعدائي ويشقهم شقا كمن يرميهم بمدافع ثقيلة عظيمة. فتحيّنَتْ تلكما النفسان الأمارتان فرصةَ الغفلة موقتا، إذ شَعرتُ بميلٍ للتفوق وبأثَرة مظلمة إلى أقبح رياء وحسد بدلا من الشكر والحمد العظيمين حيث قلت: «لِمَ لمْ أرم القذائف أنا؟».

فألف شكر وشكر للبارئ الكريم سبحانه أن رسائل النور ولاسيما رسائل «الإخلاص» أزالت -كليا- دسائسَ كلتا النفسين وضمدت الجراحات التي ولدتاها، مثلما أزالت الحالاتِ التي حدثت في دقيقة واحدة وفي عشر دقائق إزالة تامة والحمد لله. فعرفتُ تقصيري -تلك المعرفة التي هي استغفار معنوي- ونجوت بفضله تعالى من العذاب والآلام المضمَرة التي هي جزاء معجل لذلك الخطأ.


Yükleniyor...