أما ما أورده التاريخ من أسباب أخرى فهي ليست أسباباً حقيقية، بل حجج ومبررات واهية.
فإن قلت: لِمَ لَمْ يُوفّق الإمام علي رضي الله عنه بمثل ما وفّق أسلافُه في إدارة دفة الخلافة رغم اتصافه -من هذه الناحية- بقابليات فائقة وذكاء خارق، ولياقة تامة جديرة بمنصب الخلافة؟
الجواب: إن الإمام علياً كان حَريّاً ومؤهَلاً للقيام بمهماتٍ جِسام تفوق أهمية السياسة والحكم، إذ لو كان التوفيق تاماً له في السياسة والحكم لما كان يحرز لقب «سيد الأولياء» بجدارة تامة، ذلك المقام المعنوي الذي هو أهلٌ له بحق. فظفر بسلطنة معنوية وبحكم معنوي أرقى بكثير من خلافة سياسية ظاهرية. حيث أصبح بمثابة أستاذ الجميع، وغدا حُكمُه المعنوي سارياً وماضياً إلى يوم القيامة.
أما ما وقع من حرب بين الإمام علي رضي الله عنه وسيدنا معاوية رضي الله عنه وأنصاره في واقعة «صفين» فهي حرب بين الخلافة والسَلطنة -الملك الدنيوي- أي أن الإمام علياً رضي الله عنه قد اتخذ أَحكام الدين وحقائقَ الإسلام والآخرةَ أساساً، فكان يُضَحّي بقسم من قوانين الحُكم والسَلطنة وما تقتضيه السياسة من أمور فيها إجحاف، في سبيل الحقائق والأحكام. أما سيدُنا معاوية ومَن معه، فقد التزموا الرخصةَ الشرعية وتركوا الأخذ بالعزيمة، لأجل إسناد الحياة الاجتماعية الإسلامية بسياسات الحكم والدولة. فعدّوا أنفسَهم مضطرين في الأخذ بهذا المسلك في عالم السياسة. لذا رجّحوا الرخصةَ على العزيمة، فوقعوا في الخطأ.
Yükleniyor...