الصبر الثالث: الصبر على العبادة، الذي يمكن أن يبلغ صاحبُه مقام المحبوبية، فيسوق إلى حيث العبودية الكاملة التي هي أعلى مقام.

سؤالكم الخامس: إنَّ الخامس عشر من العمر يعدّ سن التكليف، فكيف كان الرسول ﷺ يتعبّد قبل النبوة؟.

الجواب: كان يتعبّد بالبقية الباقية من دين سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي ظل جارياً في الجزيرة العربية تحت حُجب كثيرة. ولكن التعبد هذا لم يكن على صورة الفرض والواجب بل كان تعبداً اختيارياً يُؤدّى نَدباً. (7)

هذه الحقيقة طويلة، لتظل الآن مختصرة.

سؤالكم السادس: ما حكمةُ بعثة الرسول ﷺ في سن الكمال وهو الأربعون من العمر. وما حكمةُ انتقاله إلى الملأ الأعلى في السن الثالثة والستين من عمره المبارك؟

الجواب: حِكَمُها كثيرة. إحداها هي:

إنَّ النبوة تكليف ثقيل، وعبءٌ عظيم جداً، لا يُحمل إلّا بعد نمو المَلَكات العقلية ونضوجها وتكامل الاستعدادات القلبية. أما زمن ذلك الكمال فهو الأربعون من العمر.

أما فترة الفتوة والشباب التي هي فترة تهيج النوازع النفسانية ووقت غليان الحرارة الغريزية وأوان فوران الحرص على الدنيا فهي لا تلائم وظائف النبوة التي هي مقدّسة وأخروية وخالصة لله وحده. إذ مهما كان الإنسان جاداً وخالصاً قبل الأربعين من العمر، فلربما يرِدُ إلى أذهان المتطلعين إلى الشهرة ظنٌ بأنه يعمل لجاه الدنيا ونيل مقام فيها، فلا ينجو من اتهاماتهم بسهولة. أما بعد الأربعين فإن العمر ينحدر إلى باب القبر وتتراءى له الآخرةُ أكثر من الدنيا، فينجو من ذلك الاتهام بسهولة ويوفّق في حركاته وأعماله الأخروية وينجو الناس من سوء الظن ويُنقَذون.

أما كون عمره المبارك الذي قد قضي في ثلاث وستين سنة، فمن حِكَمِه الكثيرة نذكر واحدة منها:


Yükleniyor...