بل إن الرحمة والحكمة والمحبة في حق ذلك المخلوق تقتضي هكذا، بل هو هكذا. وإلّا يلزم ترك ألوف المنافع للحيلولة دون حدوث ضرر واحد. وعندئذٍ تحدث ألوف الأضرار!.
بمعنى أن الأسماء الحسنى: الرحيم، الحكيم، الودود تستلزم مضي الموجودات وراء أستار الزوال والفراق وتقتضيهما ولا تعارضهما.
الإشارة الخامسة: [ وَخَامِساً: لِظُهُورِ الشُّؤُونَاتِ السُّبْحَانِيَّةِ وَالْمَشَاهِدِ الْعِلْمِيَّةِ ]
تفيد هذه الفقرة: إن الموجودات -ولاسيما الأحياء منها- بعد ارتحالها من وجودها الظاهري تترك كثيراً من الأمور الباقية ثم تمضي إلى شأنها.
وقد بينا في الرمز الثاني:
إن في شؤون الربوبية محبةً مطلقة وشفقة مطلقة وافتخاراً مطلقاً -إن جاز التعبير- ورضى مقدساً مطلقاً وسروراً مقدساً مطلقاً -إن جاز التعبير- ولذة مقدسة مطلقة وفرحاً منزّهاً مطلقاً بما يليق بذاته الجليلة المقدسة ويوافق تعاليه وتنزّهه وتقدُّسه سبحانه، إذ تُشاهد آثار تلك الشؤون المنزّهة، لأن ما تقتضيه تلك الشؤون هو سَوق الموجودات بسرعة في فعالية محيّرة، ضمن تبديل وتغيير وزوال وفناء، فتُرسل -الموجودات- باستمرار من عالم الشهادة إلى عالم الغيب. فالمخلوقات ضمن تجليات تلك الشؤون الربانية في سير وسياحة دائمَين، في حركة وجولان مستمرين. فهي بهذه السياحة والحركة الدائمتين تملأ آذان أهل الغفلة بنعيات الفراق والزوال، وتشنّف أسماع أهل الإيمان بنغمات الذكر والتسبيح.
وبناءً على هذا السرّ، فما من موجود يرحل عن الوجود إلّا ويترك في الوجود من المعاني والكيفيات والحالات ما يكون مداراً باقياً لظهور شؤون باقية لواجب الوجود سبحانه.
Yükleniyor...