وقد كانت الطرق الصوفية وما زالت كذلك إحدى القلاع الثلاث التي تتحطم على جدرانها الصلدة هجمات النصارى بسياساتهم ومكايد الذين يسعَون لإطفاء نور الإسلام.. فيجب ألاّ ننسى فضلَ أهل الطرق في المحافظة على مركز الخلافة الإسلامية «استانبول» طوال خمسمائة وخمسين سنة رغم هجمات عالَم الكفر وصليبية أوروبا. فالقوة الإيمانية، والمحبة الروحانية، والأشواق المتفجرة من المعرفة الإلهية لأولئك الذين يرددون «الله.. الله..» في الزوايا والتكايا المتممة لرسالة الجوامع والمساجد، والرافدة لهما بجداول الإيمان حيث كانت تنبعث أنوارُ التوحيد في خمسمائة مكان، لتشكّل بمجموعها أعظمَ نقطة ارتكاز للمؤمنين في ذلك المركز الإسلامي.

فيا أدعياء الحَمية ويا سماسرة القومية المزيفين! ألا تقولون أيةَ سيئة من سيئات الطريقة تُفسد هذه الحسَنة العظيمة في حياتكم الاجتماعية؟!

التلويح الرابع

إنَّ سلوك طريق الولاية مع سهولته هو ذو مصاعب، ومع قصره فهو طويل جداً، ومع نفاسته وعلوِّه فهو محفوفٌ بالمخاطر، ومع سعته فهو ضيق جداً.

فلأجل هذه الأسرار الدقيقة، قد يغرق السالكون في هذه السبيل، وقد يتعثرون ويتأذون، بل قد ينكصون على أعقابهم ويضلون الآخرين. فعلى سبيل المثال؛ هناك «السير الأنفسي» و «السير الآفاقي» وهما مشربان ونهجان في الطريقة.

فالسير الأنفسي يبدأ من النفس، ويصرف صاحبُ هذا السير نظرَه عن الخارج، ويحدُق في القلب مخترقاً أنانيتَه. ثم ينفذ منها ويفتح في القلب ومن القلب سبيلاً إلى الحقيقة.. ومن هناك ينفذ إلى الآفاق الكونية فيجدها منوّرة بنور قلبه، فيصل سريعاً، لأن الحقيقة التي شاهدها في دائرة النفس يراها بمقياس أكبر في الآفاق. وأغلب طرق المجاهدة الخفية تسير وفق هذه السبيل.

وأهم أسس هذا السلوك هو كسرُ شوكة الأنانية وتحطيمُها، وتركُ الهوى وإماتةُ النفس.

أما النهج الثاني فيبدأ من الآفاق، ويشاهد صاحبُ هذا النهج تجليات أسماء الله الحسنى،


Yükleniyor...