الأصقاع النائية، وبين شعاب الجبال، وعبر مهاوي الوديان يتوجه إلى قلبه مردداً: «الله .. الله» مستأنساً بهذا الذكر، ومتفكراً فيما حوله من الأشياء التي يتوجس منها خيفة وتوحي إليه بالوحشة، فإذا بالذكر يضفي عليها الأُنسَ والمودّة، وإذا بالذاكر يقول: «إنَّ لخالقي الذي أذكره عباداً لا حد لهم منتشرين في جميع الأرجاء فهم كثيرون جداً.. إذن فأنا لستُ وحيداً، فلا داعي للاستيحاش، ولا معنى له».. وبذلك يذوق معنى الأُنس في هذه الحياة الإيمانية، ويلمس سعادة الحياة فيزداد شكرُه لربه.

التلويح الثالث

إنَّ الولاية حُجة الرسالة، وإن الطريقة برهان الشريعة، ذلك لأن ما بلّغته الرسالةُ من الحقائق الإيمانية تراها «الولايةُ» بدرجة «عين اليقين» بشهودٍ قلبي وتذوّق روحاني فتصدّقُها، وتصديقُها هذا حجة قاطعة لأحقية الرسالة.

وإن ما جاءت به «الشريعة» من حقائق الأحكام، فإن «الطريقة» برهان على أحقية تلك الأحكام، وعلى صدورها من الحق تبارك وتعالى بما استفاضت منها واستفادت بكشفياتها وأذواقها.

نعم، فكما أن «الولاية والطريقة» هما حُجتان على أحقية «الرسالة والشريعة» ودليلان عليهما، فإنهما كذلك سرُّ كمال الإسلام، ومحورُ أنواره، وهما معدن سمو الإنسانية ورقيِّها ومنبع فيوضاتها بأنوار الإسلام وتجليات أضوائه.

ولكن على الرغم مما فيهما من أهمية قصوى فقد انحاز قسمٌ من الفِرَق الضالة إلى إنكار أهميتهما، فحَرموا الآخرين من أنوارٍ هم محرومون منها. ومما يؤسف له بالغَ الأسف أن عدداً من علماء أهل السنة والجماعة الذين يحكمون على الظاهر وقسماً من أهل السياسة الغافلين المنسوبين إلى أهل السنة والجماعة يسعَون لإيصاد أبواب تلك الخزينة العظمى، خزينة الولاية والطريقة، متذرعين بما يرونه من أخطاءِ قسم من أهل الطريقة وسوءِ تصرفاتهم، بل يبذلون جهدَهم لهدمها وتدميرها وتجفيف ذلك النبع الفياض بالكوثر الباعث على الحياة، علماً أنه يندرُ أن يوجد في الأشياء أو في المناهج أو المسالك ما هو مُبَرّأ من النقص والقصور، وأن تكون جوانبُه كلُّها حسنة صالحة، فلا بد إذن من حدوث نقصٍ وأخطاءٍ وسوء تصرف، إذ ما دخل

Yükleniyor...