قوة وجود خارجي صغير ضئيل. وهذا يعني أنه كلما ترسّخ الوجود ازداد قوة، فالشيء القليل يأخذ حُكمَ الكثير، ولاسيما إن كان الوجود مجرداً عن المادة ولم يدخل تحت ضوابط القيد وكَسبَ الرسوخ التام، فإن جلوة جزئية منه تستطيع أن تدير عوالم كثيرة من سائر الطبقات الخفيفة من عالم الوجود.

﹛﴿وَلِلّٰهِ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى﴾|﹜ إنَّ الصانع الجليل لهذا الكون العظيم هو واجب الوجود. أي أنَّ وجوده ذاتي أزلي، أبدي، عدمُه ممتنع، زوالُه محال، وأن وجوده أرسخ طبقة من طبقات الوجود وأرساها وأقواها وأكملها، بينما سائر طبقات الوجود بالنسبة لوجوده سبحانه بمثابة ظلٍ في منتهى الضعف.

وإن هذا الوجود، واجب، راسخ، ذو حقيقة، إلى حدٍ عظيم. ووجود الممكنات خفيف وضعيف في منتهى الخفة والضعف، بحيث دفع الشيخ محي الدين بن عربي وأمثاله الكثيرين من أهل التحقيق أن يُنزلوا سائر طبقات الوجود منزلة الأوهام والخيالات، فقالوا: «لا موجود إلّا هو»، وقرروا أنه لا ينبغي أن يقال لما سوى الوجود الواجب وجوداً، إذ لا تستحق هذه الأنواع من الوجود عنوان الوجود.

وهكذا فوجود الموجودات التي هي عَرَضية وحادثة، و ثبوت الممكنات التي لا قرار ولا قوة لها، يسيرٌ في منتهى اليسر إزاء قدرة واجب الوجود الذاتية الواجبة. فإحياء جميع الأرواح في الحشر الأعظم ومحاكمتِها سهلٌ ويسير على تلك القدرة كسهولة حشر وإحياء الأوراق والأزهار والثمار في الربيع بل في حديقة صغيرة بل في شجرة.

السر الثاني: إن مباينة الماهية مع عدم التقيّد يسببان السهولة المطلقة، وذلك: إنَّ صانع الكون جلَّ جلالُه ليس من جنس الكون بلا شك، فلا تشبه ماهيتُه أية ماهية كانت، لذا فإن الموانع والقيود التي هي ضمن دائرة الكائنات لا تتمكن قطعاً أن تعترض إجراءاته وتقيّدها، فهو القادر على إدارة الكون كله في آن واحد ويتصرف فيه تصرفاً مباشراً.

فلو أُحيل تصريف الأمور وأفعاله الظاهرة في الكون إلى الكائنات أنفسها، لنجمت من المشكلات والاختلاطات الكثيرة بحيث لا يبقى أي انتظام أصلاً ولا أي شيء في الوجود بل لا يأتي أصلاً إلى الوجود.


Yükleniyor...