الدسيسة الثانية

إنَّ الشعور بالخوف شعور عميق في كيان الإنسان، وإن الطغاة والظالمين الماكرين يستغلون كثيراً هذا الشعور لدى الإنسان فيلجمون به الجبناء، ويستفيد كثيراً جواسيسُ أهل الدنيا ودعاةُ الضلال من هذا الشعور لدى العوام ولا سيما لدى العلماء، فيُلقون في روعهم المخاوفَ ويثيرون فيهم الأوهام، بمثل شخص حيّال يُظهر لأحدهم ما يخافه -وهو على سطح دار- فيثير أوهامه ويدفعه تدريجياً إلى الوراء حتى يُقرّبَهُ من الحافة فيرديه على عقبه، فيهلك. كذلك يثير أهلُ الضلالة عرقَ الخوف لدى الناس فيدفعونهم إلى التخلي عن أمور جسام من جراء مخاوفَ تافهةٍ لا قيمة لها. حتى يدخل بعضهم في فم الثعبان لئلا تلسعه بعوضة!

أذكر مثالا: جئتُ ذات مساء إلى جسر استانبول وبصحبتي عالم جليل -رحمه الله- يتهيب ركوب الزورق، ولكننا لم نجد وساطةَ نقل سوى الزورق، ونحن مضطرون إلى الذهاب إلى جامع أبي أيوب الأنصاري فألححتُ عليه إذ لا حيلة لنا إلّا ركوبه. فقال:

- أخاف... ربما نغرق!

قلت له: كم يُقدّر عدد الزوارق في هذا الخليج؟

قال: ربما ألف زورق.

قلت: كم زورقاً يغرق في السنة؟

قال: زورق أو اثنان، وقد لا يغرق في بعض السنين!

قلت: كم يوماً في السنة؟

قال: ثلاثمائة وستون يوماً.

قلت: إنَّ احتمال الغرق الذي استحوذ على ذهنك، وأثار فيك الخوف، هو احتمال واحد من بين ثلاثمائة وستين ألف احتمال. فالذي يخاف من هذا الاحتمال لا يُعدّ إنساناً ولا حيواناً!

ثم قلت له: تُرى كم تقدّر أن تعيشَ بعد الآن؟


Yükleniyor...