ورسولُهم واحد، وقبلتُهم واحدة، وكتابُهم واحد، ووطنُهم واحد.. وهكذا واحد، واحد.. إلى الألوف من جهات الوحدة التي تقتضي الاخوةَ والمحبة والوحدة. بمعنى أن الانقسام إلى طوائف وقبائل -كما تعلنه الآية الكريمة- ما هو إلّا للتعارف والتعاون لا للتناكر والتخاصم.

المسألة الثالثة: لقد انتشر الفكر القومي وترسّخ في هذا العصر. ويثير ظالمو أوروبا الماكرون بخاصة هذا الفكر بشكله السلبي في أوساط المسلمين ليمزقّوهم ويسهل لهم ابتلاعهم. ولما كان في الفكر القومي ذوقٌ للنفس، ولذةٌ تُغفِل، وقوةٌ مشؤومة، فلا يُقال للمشتغلين بالحياة الاجتماعية في هذا الوقت: دعوا القومية!

ولكن القومية نفسها على قسمين:

قسم منها سلبي مشؤوم مضر، يتربى وينمو بابتلاع الآخرين ويدوم بعداوة من سواه، ويتصرف بحذر. وهذا يولد المخاصمة والنزاع. ولهذا ورد في الحديث الشريف: (إنَّ الإسلام يَجُبّ ما قبله) ويرفض العصبية الجاهلية. (8) وأمر القرآن الكريم ب ﹛﴿ اِذْ جَعَلَ الَّذ۪ينَ كَفَرُوا ف۪ي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَاَنْزَلَ اللّٰهُ سَك۪ينَتَهُ عَلٰى رَسُولِه۪ وَعَلَى الْمُؤْمِن۪ينَ وَاَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوٰى وَكَانُٓوا اَحَقَّ بِهَا وَاَهْلَهَاۜ وَكَانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَل۪يمًا ﴾|﹜ (الفتح: ٢٦). فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يرفضان رفضاً قاطعاً القومية السلبية وفكر العنصرية.لأن الغيرة الإسلامية الإيجابية المقدسة لا تدع حاجة إليها.

تُرى أي عنصر في العالم تعداده ثلاثمائة وخمسون مليوناً ويُكسب فكر المرء -بدل الإسلام- هذا العدد من الإخوان، بل إخواناً خالدين؟

ولقد ظهرت طوال التاريخ أضرار كثيرة نجمت عن القومية السلبية، نذكر منها:

إن الأمويين خلطوا شيئاً من القومية في سياساتهم، فأسخطوا العالم الإسلامي فضلاً عما ابتلوا به من بلايا كثيرة من جراء الفتن الداخلية.

وكذلك شعوب أوروبا، لما دعوا إلى العنصرية وأوغلوا فيها في هذا العصر نجم العداءُ التاريخي المليء بالحوادث المريعة بين الفرنسيين والألمان كما أظهر الدمار الرهيب الذي أحدثته الحرب العالمية، مبلغ الضرر الذي يلحقه هذا الفكر السلبي للبشرية.


Yükleniyor...