تزلّف وتملق خلال هذه السنوات الخمس. إذ المحتال يحاول أن يحبّبَ نفسَه إلى الناس دوماً بل يسعى إلى إغفالهم وخداعهم، وليس من شأنه تجنُّبهم والابتعادُ عنهم. والحال أنني لم أتنازل إلى التذلل للآخرين على الرغم من جميع الهجمات النازلة بيَّ والانتقادات الموجهة إليّ، بل أعرضتُ عن أهل الدنيا متوكلاً على المولى القدير وحده. ثم إنَّ الذي عرف حقيقةَ الآخرة وكشفَ عن حقيقة الدنيا لا يندم أبداً، إن كان ذا لب. ولا يتشبث بالعودة إلى الدنيا مرة أخرى. ثم إن من كان وحيداً فريداً لا علاقة له مع أحد، لا يضحّي بحياته الأبدية لثرثرة دنيوية وتهريجاتها بعد قضاء خمسين سنة من العمر. بل لو ضحّى بها، لا يكون حيّالاً بل مجنوناً، وماذا عسى أن يفعل المجنونُ حتى يُهتم به؟
أما الشبهة الواردة حول كوني طالباً للدنيا باطناً وعازفاً عنها ظاهراً. فأقول:
بمضمون الآية الكريمة: ﹛﴿وَمَٓا اُبَرِّئُ نَفْس۪يۚ اِنَّ النَّفْسَ لَاَمَّارَةٌ بِالسُّٓوءِ ﴾|﹜ (يوسف: ٥٣).
إنني ما أبرئ نفسي أبداً، إنها تروم كلَّ فساد. ولكن خسران حياة دائمة وسعادة خالدة لأجل لذة قليلة، في هذه الدنيا الفانية، في هذا المضيف المؤقت، في زمن الشيخوخة، في عمر قصير.. ليس من شأن العقلاء ولا يليق بذوي الشعور؛ لذا انقادت نفسي الأمارة، شاءت أم أبت، للعقل ورضخت له.
السؤال الثالث المريب: يقول أهل الدنيا: أتحبُّنا؟ أترضى عنا وتعجب بنا؟ فإن كنت تحبنا فلماذا إذن أعرضتَ عنا ولا تخالطُنا، وإن لم تكن تعجب ولا ترضى عنا فأنت إذن تعارضنا، ونحن نسحق معارضينا!
الجواب: إنني لو كنت مُحبَّاً لدنياكم، فضلاً عنكم لما انسحبتُ منها وأعرضت عنها. فأنا لا أعجب بكم ولا بدنياكم، ولكن لا أتدخل أيضاً بها ولا أخالطكم. لأنني أصبو إلى قصد غير قصدكم، فقد ملأتْ قلبي أمورٌ لم تُبق موضعاً لغيرها كي أفكرَ فيها. وأنتم مأمورون بالحكم على ظاهر الحال لا على باطن القلب. لأنكم تريدون إدامةَ النظام وإرساءَ الحكم، وحيث إني لا أتدخل بهما، فليس لكم أن تقولوا: ليحبنا القلب كذلك، فأنتم لستم أهلاً لذلك الحب أصلاً.
وإن تدخلتم في أمر القلب، أقول: كما أنني أتمنى مجيء الربيع وسط هذا الشتاء، ولكني
أما الشبهة الواردة حول كوني طالباً للدنيا باطناً وعازفاً عنها ظاهراً. فأقول:
بمضمون الآية الكريمة: ﹛﴿وَمَٓا اُبَرِّئُ نَفْس۪يۚ اِنَّ النَّفْسَ لَاَمَّارَةٌ بِالسُّٓوءِ ﴾|﹜ (يوسف: ٥٣).
إنني ما أبرئ نفسي أبداً، إنها تروم كلَّ فساد. ولكن خسران حياة دائمة وسعادة خالدة لأجل لذة قليلة، في هذه الدنيا الفانية، في هذا المضيف المؤقت، في زمن الشيخوخة، في عمر قصير.. ليس من شأن العقلاء ولا يليق بذوي الشعور؛ لذا انقادت نفسي الأمارة، شاءت أم أبت، للعقل ورضخت له.
السؤال الثالث المريب: يقول أهل الدنيا: أتحبُّنا؟ أترضى عنا وتعجب بنا؟ فإن كنت تحبنا فلماذا إذن أعرضتَ عنا ولا تخالطُنا، وإن لم تكن تعجب ولا ترضى عنا فأنت إذن تعارضنا، ونحن نسحق معارضينا!
الجواب: إنني لو كنت مُحبَّاً لدنياكم، فضلاً عنكم لما انسحبتُ منها وأعرضت عنها. فأنا لا أعجب بكم ولا بدنياكم، ولكن لا أتدخل أيضاً بها ولا أخالطكم. لأنني أصبو إلى قصد غير قصدكم، فقد ملأتْ قلبي أمورٌ لم تُبق موضعاً لغيرها كي أفكرَ فيها. وأنتم مأمورون بالحكم على ظاهر الحال لا على باطن القلب. لأنكم تريدون إدامةَ النظام وإرساءَ الحكم، وحيث إني لا أتدخل بهما، فليس لكم أن تقولوا: ليحبنا القلب كذلك، فأنتم لستم أهلاً لذلك الحب أصلاً.
وإن تدخلتم في أمر القلب، أقول: كما أنني أتمنى مجيء الربيع وسط هذا الشتاء، ولكني
Yükleniyor...