الوجه الثالث:

إن الآية الكريمة: ﹛﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرٰى ﴾|﹜ (الأنعام: ١٦٤) تفيد العدالة المَحضة، أي لا يجوز معاقبة إنسان بجريرة غيره. فترى القرآن الكريم ومصادر الشريعة الأخرى وآداب أهل الحقيقة والحكمة الإسلامية كلها تنبّهك إلى: أن إضمار العداء للمؤمن والحقد عليه ظلم عظيم، لأنه إدانة لجميع الصفات البريئة التي يتصف بها المؤمن بجريرة صفة جانية فيه. ولا سيما امتداد العداء إلى أقاربه وذويه بسبب صفةٍ تمتعض منها، فهو ظلمٌ أعظم، كما وصفه القرآن الكريم بالصيغة المبالغة: ﹛﴿ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَظَلُومٌ ﴾|﹜ (إبراهيم: ٣٤) أفبعد هذا تجد لنفسك مبررات وتدّعي أنك على حق؟

فاعلم! أَنّ المفاسد التي هي سبب العداء والبغضاء كثيفة في نظر الحقيقة، كالتراب والشر نفسه، وشأن الكثيف أنه لا يسرى ولا ينعكس إلى الغير -إلّا ما يتعلمه الإنسان من شر من الآخرين- بينما البرّ والإحسان وغيرهما من أسباب المحبة فهي لطيفة كالنور وكالمحبة نفسها، ومن شأن النور الانعكاس والسرَيان إلى الغير. ومن هنا سار في عداد الأمثال: «صديقُ الصديق صديقٌ». وتجد الناس يرددون: «لأجل عينٍ أَلفُ عين تُكرَم».

فيا أيها المُجحف! إنْ كنت تروم الحقَّ، فالحقيقة هي هذه، لذا فإن حملَك عداءً مع أقارب ذلك الذي تَكره صفةً فيه، وحقدَك على ذويه المحبوبين لديه، خلافٌ للحقيقة وأي خلاف!

الوجه الرابع:

إن عداءك للمؤمن ظلمٌ مبين، من حيث الحياة الشخصية. فإن شئت فاستمع إلى بضعة دساتير هي أساس هذا الوجه الرابع:

الدستور الأول: عندما تعلم أنك على حق في سلوكك وأفكارك يجوز لك أن تقول: «إن مسلكي حق أو هو أفضل» ولكن لا يجوز لك أن تقول: «إن الحق هو مسلكي أنا فحسب». لأن نظرك الساخط وفكرَك الكليل لن يكونا محكّاً ولا حَكَماً يقضي على بطلان المسالك الأخرى، وقديماً قال الشاعر:


Yükleniyor...