ولإيضاح هذه المسألة تأمل في هذا المثال:

نواةٌ للتمر وُضعت تحت التراب فانفلقتْ عن نخلة مثمرة باسقة، وهي في توسع ونمو مطّرد، أو بيضةٌ للطاووس فَقَسَتْ عن فرخ الطاووس بعدما سُلّطت عليها الحرارة، وكلّما نما وكبُر أصبح أجملَ وأزهى، بما زيّن قلمُ القدرة على كل جهاته من نقوشٍ بديعة رائعة.

فهناك صفاتٌ وحالات خاصة تعود لكلٍّ من تلك النواة ولتلك البيضة، ويحوي كلٌّ منهما موادَ دقيقة لطيفة جداً. والنخلةُ والطاووس كذلك لهما صفاتٌ عالية وكيفيات وأوضاعٌ راقية بالنسبة لصفات البذرة والبيضة. فعندما تُربَط أوصافُ النواة والبيضة بأوصاف النخل والطير وتُذكران معاً، يلزم أن يرفع العقلُ الإنساني بصرَه عن النواة إلى النخلة وينظر إليها، وأن يتوجه من البيضة إلى الطاووس ويُمعن فيه، كي يقبل تلك الأوصاف التي يسمعها. وبخلافه ينساق إلى التكذيب حين يسمعُ أحدُهم يقول: «لقد أخذتُ طناً من التمر من حفنة من النوى، أو هذه البيضة هي سلطان الطيور».

وهكذا فإن بشريةَ الرسول الأكرم ﷺ تشبه تلك النواة أو البيضة «في المثال». وماهيتُه المشعّة بمهمة الرسالة مثَلُها كمثل شجرة طوبى الجنة وطير الجنة في سموّ ورقي.

لذا في الوقت الذي نفكّر في النزاع الذي حصل في السوق مع البدوي، يلزم أن نرفع عينَ الخيال عالياً ونتصوّر الذات النورانية الممتطية الرفرف «البُراق» والمنطلقة سعياً إلى قاب قوسين أو أدنى، تاركةً خلفها جبريل عليه السلام . وإلّا فإن النفس الأمارة بالسوء إما ستُسيءُ الأَدبَ وتنحطّ إلى درك قلة التوقير والاحترام، أو تزلّ قدماها إلى عدم التصديق.

الإشارة البليغة الخامسة

وهي تخص الحوادث المتعلقة بأمور غيبية، نذكر منها بضعة أمثلة:

المثال الأول: قال رسول الله ﷺ في خطبةٍ بين جمْعٍ من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ونُقل إلينا الحديثُ نقلا صحيحاً ومتواتراً: «إنَّ ابني هذا سَيّدٌ ولَعلَّ الله أنْ يُصلحَ به بين فِئَتين من المسلمين» (15) وفي رواية «عظيمتين». وبعد مرور أربعين سنة التقى جيشان


Yükleniyor...