وعطفِه عليها وإلى رحمة أخيها ورأفته بها فهي تجد، حسب الحكم القرآني، تلك الشفقة عليها من والدها وعطفه دون أن يكدّرها حذر، إذ ينظر إليها والدُها نظرة من لا يخشى منها ضرراً، ولا يقول بأنها ستكون سبباً في انتقال نصفِ ثروتي إلى الأجانب والأغيار. فلا يشوب تلك الشفقةَ والعطفَ الأبوي الحذرُ والقلقُ.

ثم إنها ترى من أخيها رحمةً وحماية لا يعكّرها حسدٌ ولا منافسة، إذ لا ينظر إليها أخوها نظر مَن يجد فيها منافساً له يمكن أن تبدد نصف ثروة أبيهما بوضعها في يد الأجانب. فلا يعكر صفوَ تلك الرحمة والحماية حقدٌ وكدر.

فتلك البنتُ اللطيفة الرقيقة فطرةً، والضعيفةُ النحيفة خلقةً، تفقد في هذه الحالة شيئاً قليلاً في ظاهر الأمر. إلّا أنها تكسب -بدلاً منه- ثروةً لا تفنى من شفقة الأقارب وعطفهم عليها ورحمتهم بها. وإلّا فإن إعطاءها نصيباً أكثرَ مما تستحق بزعم أن ذلك رحمةً في حقها أزيد من رحمة الله سبحانه، ليس رحمة بها قط بل ظلمٌ شنيع في حقها، ربما يفتح سبيلاً أمام الحرص الوحشي المستولي على النفوس في هذا الزمان لارتكاب ظلم أشنع، يذكّر بالغيرة الوحشية التي كانت مستولية على النفوس في زمن الجاهلية في وأدهم البنات. فالأحكام القرآنية كلها تصدّق، كما يصدّق هذا الحكم، قوله تعالى:

﹛﴿وَمَٓا اَرْسَلْنَاكَ اِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَم۪ينَ﴾|﹜ (الأنبياء: ١٠٧).


المسألة الرابعة

قوله تعالى: ﹛﴿فَلِاُمِّهِ السُّدُسُ﴾|﹜ (النساء: ١١).

إن المدنية (وهي بلا ميم) -أي الدنيّة- كما قد أصبحت سبباً لمثل هذا الظلم (المذكور في المسألة السابقة) في حق البنات بإعطائها أكثر مما تستحق، كذلك تقترف ظلماً أدهى وأنكى بحق الوالدات وذلك بحرمانهن من حقوقهن.

نعم، إن شفقة الوالدة وحنانَها الذي هو ألطفُ جلوة من رحمته تعالى بل ألذُّها وأجدرها بالاحترام، أسمى وأكرم حقيقة من حقائق الوجود.

والوالدة هي بالذات أكرمُ صديقة عزيزة وأرحمُ مضحية، بل إنها تضحي بدنياها

Yükleniyor...