باطمئنان الوجدان. نعم! إنَّ الفطرة بلسان حالها تقول للقرآن الكريم: «لا يتحقق كمالُنا من دونك». وقد أثبتنا هذه الحقيقة في مواضعَ متفرقةٍ من الرسائل.

ثم إنَّ القرآن معجزةٌ دائمة أبدية بالمشاهدة والبداهة، فهو يبين إعجازَه كلَّ حين، فلا يخبو نورُه -كبقية المعجزات- ولا ينتهي وقتُه، بل يمتد زمنُه إلى الأبد.

ثم إنَّ منزلة إرشاد القرآن الكريم لها من السعة والشمول بحيث إن درساً واحداً منه يتلقاه جبريل عليه السلام جنباً إلى جنب صبي صغير. ويجثو أمامه فلاسفةٌ دهاة -أمثال ابن سينا- مع أبسط شخص أمي، يتلقيان الدرسَ نفسه. بل قد يستفيض ذلك الرجل العامي من القرآن بما يحمل من قوة الإيمان وصفائه ما لا يستفيضه «ابن سينا».

ثم إن في القرآن الكريم عيناً باصرةً نافذة بحيث ترى جميعَ الوجود وتحيط به، وتضع جميعَ الموجودات أمامَه، كأنها صحائفُ كتاب فيوضّح طبقاتها وعوالِمها. فكما إذا استلم الساعاتي ساعة صغيرة بيده يقلّبها، ويعرّفها ويفتحها، كذلك الكون بين يدي القرآن الكريم يعرّفه ويبين أجزاءه.

فهذا القرآن العظيم يثبت الوحدانية ب ﹛﴿فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ﴾|﹜.

اللّهمَّ اجْعَلِ الْقُرْأٰنَ لَنَا فِي الدُّنْيَا قَرينًا وَفِي الْقَبْرِ مُونِسًا وَفِي الْقِيَامَةِ شَفيعًا وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا وَمِنَ النَّارِ سِتْرًا وَحِجَابًا وَفِي الْجَنَّةِ رَفيقًا وَإِلَى الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا دَليلاً وَإِمَامًا. أَللهمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا وَقُبُورَنَا بِنُورِ الْإيمَانِ وَالْقُرْأٰنِ وَنَوِّرْ بُرْهَانَ الْقُرْأٰنِ بِحَقِّ وَبِحُرْمَةِ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْأٰنُ، عَلَيْهِ وَعَلٰى أٰلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الرَّحْمٰنِ الْحَنَّانِ، أٰمينَ.

الإشارة البليغة التاسعة عشرة

لقد أُثبت يقيناً وبدلائل قاطعة، في الإشارات السابقة أن الرسولَ الأكرم ﷺ الذي ثبتت رسالتُه بألوفِ الدلائل القاطعة لهو برهانٌ باهر للوحدانية الإلهية، ودليلٌ ساطع للسعادة الأبدية. وسنعرّف في هذه الإشارة تعريفاً مُجملاً بشكل خلاصة الخلاصة لذلك البرهان الصادق والدليل الساطع على الوحدانية؛ لأنه: يلزم معرفةُ الدليل والإحاطة بوجه دلالته ما دام هو دليلاً إلى المعرفة الإلهية.


Yükleniyor...