أما هنا فسنورد بضعةَ أمثلةٍ من أخبار غيبية صادقةٍ تتعلق بالحوادث التي ستصيب الآل والأصحاب -رضوان الله عليهم أجمعين- من بعده ﷺ وما ستلقاه أمتُه في مُقبل أيامها.

ولأجل الوصول إلى إدراك هذه الحقيقة إدراكاً كاملاً نبيّن بين يديها أُسساً ستة مقدّمة لها.

الأساس الأول

إنَّ جميعَ أحوال الرسول الكريم ﷺ وأطوارَه يمكن أن تكونَ دليلاً على صدقِه وشاهداً على نبوته، إلّا أن هذا لا يعني أن تكون جميعُ أحواله وأفعاله خارقةً للعادة؛ ذلك لأنَّ الله سبحانه قد أرسله بشراً رسولاً، ليكون بأعمالِه وحركاته كلِّها إماماً ومرشداً للبشر كافة، وفي أحوالهم كافة، ليحقّق لهم بها سعادةَ الدنيا والآخرة وليبيّن لهم خوارقَ الصنعة الربانية وتصرّفَ القدرة الإلهية في الأمور المعتادة، تلك الأمور التي هي بحد ذاتها معجزات.

فلو كان ﷺ في جميع أفعاله خارقاً للعادة، خارجاً عن طور البشر، لَمَا تسنّى له أن يكون أُسوةً يُقتدى به، وما وَسِعَه أن يكون بأفعاله وأحواله وأطواره إماماً للآخرين؛ لذا ما كان يلجأ إلى إظهار المعجزات إلاّ بين حين وآخر، عند الحاجة، إقراراً لنبوته أمامَ الكفار المعاندين. ولما كان الابتلاء والاختبار من مقتضيات التكليف الإلهي، فلم تعُد المعجزةُ مُرغِمةً على التصديق -أي سواءً أراد الإنسانُ أم لم يرد- لأن سرَّ الامتحان وحكمةَ التكليف يقتضيان معاً فتحَ مجال الاختيار أمام العقل من دون سلب الإرادة منه. فلو ظهرت المعجزةُ ظهوراً بَديهيّاً مُلزماً للعقل كما هو شأنُ البديهيات لما بقيَ للعقل ثمّة اختيار، ولَصدَّق أبو جهل كما صدّق أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولَانتفت الفائدة من التكليف والغاية من الامتحان، ولَتساوى الفحمُ الخسيس مع الألماس النفيس!

بيد أن الذي يثير الدهشة والحيرة؛ أنه في الوقت الذي آمن ألوفٌ من أجناس مختلفة من الناس بمعجزةٍ منه ﷺ أو بكلامٍ منه أو بالنظر إلى طلعته البهية، أو ما شابهها من دلائل صدق نبوته ﷺ، وآمن به ألوفُ العلماء المدققين والمفكرين المحققين، بما نُقِل إليهم من صدقِ أخباره وجميلِ آثاره نقلاً صحيحاً متواتراً، أقول: أفلا يدعو إلى العجَب أن يرى أشقياءُ هذا العصر


Yükleniyor...