الدستور الثاني: «عليك أن تقول الحقَّ في كل ما تقول، ولكن ليس لك أن تذيع كل الحقائق. وعليك أن تصدق في كل ما تتكلمه، ولكن ليس صواباً أن تقول كل صدق».
لأن مَنْ كان على نية غير خالصة -مثلك- يُحتمل أن يثير المقابلَ بنصائحه فيحصل عكس المراد.
الدستور الثالث: إن كنت تريد أن تعادي أحداً فعادِ ما في قلبك من العداوة، واجتهد في إطفاء نارها واستئصال شأفتها. وحاول أن تُعادي مَن هو أعدى عدوك وأشدّ ضرراً عليك، تلك هي نفسُك التي بين جنبيك. فقاوم هواها، واسعَ إلى إصلاحها، ولا تعادِ المؤمنين لأجلها. وإن كنتَ تريد العداء أيضاً فعادِ الكفار والزنادقة، فهم كثيرون. واعلم أن صفة المحبة محبوبةٌ بذاتها جديرة بالمحبة، كما أن خصلة العداوة تستحق العداء قبل أي شيء آخر.
وإن أردت أن تغلب خصمَك فادفع سيئَتَه بالحسنة، فبه تخمد نارُ الخصومة. أما إذا قابلت إساءته بمثلها فالخصومةُ تزداد. حتى لو أصبح مغلوباً -ظاهراً- فقلبه يمتلئ غيظاً عليك، فالعداءُ يدوم والشحناء تستمر. بينما مقابلته بالإحسان تسوقُه إلى الندم، وقد يكون صديقاً حميماً لك، إذ إن من شأن المؤمن أن يكون كريماً، فإن أكرمتَه فقد ملكتَه وجعلته أخاً لك، حتى لو كان لئيماً -ظاهراً- إلّا أنه كريم من حيث الإيمان، وقد قال الشاعر:
نعم، إن الواقع يشهد: أن مخاطبة الفاسد بقولك له: «إنك صالح، إنك فاضل..». ربما يدفعه إلى الصلاح، وكذا مخاطبة الصالح: «إنك طالح، إنك فاسد..». ربما يسوقه إلى الفساد، لذا استمع بأذن القلب إلى قوله تعالى: ﹛﴿ وَاِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾|﹜ (الفرقان: ٧٢)، ﹛﴿ وَاِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَاِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَح۪يمٌ ﴾|﹜ (التغابن: ١٤) وأمثالها من الدساتير القرآنية المقدسة، ففيها التوفيق والنجاح والسعادة والأمان.
Yükleniyor...