ترخيص بذلك.. فهذه المعاملات تعني أنكم لا تعدونني من أفراد الأمة ولا من رعايا هذا الوطن، فكيف إذن تكلفونني بتطبيق قوانين مدنيتكم؟

وأنتم قد ضيّقتم عليّ الدنيا على سعتها وجعلتموها لي سجناً، أفيكلَّف من هو في السجن بمثل هذه الأمور؟.

وأنتم قد أقفلتم عليّ بابَ الدنيا، وأنا بدوري طرقتُ باب الآخرة، ففتحتْه الرحمةُ الإلهية، فكيف يطالَب من هو واقف في باب الآخرة أن يطبق عاداتِ أهل الدنيا وآدابَها المشوشة؟

فمتى ما أطلقتموني حراً، وأعدتموني إلى مدينتي وموطني، وأعطيتموني حقوقي كاملة، فلكم عندها أن تطالبوا بتطبيق آدابكم!

المسألة الثانية: يقول أهل الدنيا: لدينا مؤسسة حكومية، تقوم بتعليم أحكام الدين وحقائق الإسلام، فبأيّ صلاحية تقوم أنت بنشر رسائل دينية؟ فلا يحق لك مزاولة مثل هذه الأمور وأنت محكوم بالنفي.

الجواب: إن الحق والحقيقة لا تقيَّدان بشيء ولا تنحصران (في مكان وزمان معينين) فكيف ينحصر الإيمانُ ويتقيد القرآنُ في مؤسسة رسمية؟ فأنتم تستطيعون أن تحصروا تطبيق قوانينكم وآدابكم (في مؤسساتكم) أما الحقائق الإيمانية والأسس القرآنية فلا تُقحَمان في المعاملات الدنيوية، ولا تحصَران في مؤسسة رسمية يؤدَّى فيها العملُ بأجرة. بل إن تلك الأسرار والفيوضات التي هي موهبة إلهية، لا تتأتى إلّا بوساطة النية الخالصة والتجرد من الدنيا والعزوف عن حظوظ النفس.

هذا فضلاً عن أن دائرتكم الرسمية قد قبلتني واعظاً وأنا في مدينتي، وعينتني في تلك الوظيفة، وقد قمت بتلك الوظيفة، وظيفة الوعظ. إلّا أنني تركتُ مرتَّبها، محتفظاً لدي بشهادتها. أي أنا أستطيع أن أؤدي بتلك الشهادة مهمةَ الوعظ والإمامة في أي مكان كان، لأن نفيي ظلمٌ واضح.

ثم إن المنفيين قد أُعيدوا إلى أهليهم، فشهادتي السابقة إذن ساريةُ المفعول.


Yükleniyor...