الذيل الأول

﹛﴿ قُلْ مَا يَعْبَؤُ۬ا بِكُمْ رَبّ۪ي لَوْلَا دُعَٓاؤُ۬كُمْ ﴾|﹜ (الفرقان: ٧٧)


النكتة الأولى

اعلم أنَّ الدعاء سر عظيم للعبادة، بل هو مخ العبادة وروحُها، (2) والدعاء -مثلما ذكرناه في مواضع أخرى كثيرة- على أنواع ثلاثة.

النوع الأول من الدعاء:

هو دعاءٌ بلسان الاستعداد والقابلية الموْدعة في الشيء. فالحبوب والنُويَّات جميعُها تسأل فاطرَها الحكيم بلسان استعدادها وقابلياتها المودعة فيها قائلة: اللهم يا خالقنا هيئ لنا نمواً نتمكن به من إبراز بدائع أسمائك الحسنى، فنعرِضها أمام الأنظار.. فحوِّل اللهم حقيقتَنا الصغيرة إلى حقيقة عظيمة.. تلك هي حقيقةُ الشجرة والسنبل.

وثمة دعاء من هذا النوع -أي بلسان الاستعداد- هو اجتماع الأسباب. فاجتماع الأسباب دعاءٌ لإيجاد المسبب، أي أن الأسباب تتخذ وضعاً معيّناً وحالة خاصة بحيث تكون كلسان حال يطلب المسبَّب من القدير ذي الجلال، فالبذور مثلاً تسأل بارءها القدير أن تكون شجرةً، وذلك بلسان استعدادها فيتخذ كلٌّ من الماء والحرارة والتراب والضوء حالة معينة حول البذرة حتى تكون تلك الحالة كأنها لسانٌ ينطق بالدعاء قائلاً : اللهم يا خالقنا اجعل هذه البذرة شجرة.

نعم، إنَّ الشجرة التي هي معجزةُ قدرة إلهية خارقة لا يمكن بحال من الأحوال أن يُفوَّض أمرُها ويُسند خلقُها إلى تلك المواد البسيطة الجامدة الفاقدة للشعور، بل محال إحالتها إلى تلك الأسباب.. فاجتماع الأسباب إذن إنما هو نوعٌ من الدعاء.


Yükleniyor...