الأساس السادس

إنَّ أحوال الرسول ﷺ وأوصافه قد بُيّنت على شكل سيرة وتاريخ. إلّا أن أغلب تلك الأحوال والأوصاف تعكس بشريَّته فحسب، إذ إن الشخصية المعنوية لتلك الذات النبوية المباركة رفيعةٌ جداً وماهيتُه المقدسة نورانيةٌ إلى حدّ لا يرقى ما ذُكر في التاريخ والسيرة من أوصاف وأحوال إلى ذلك المقام السامي والدرجة الرفيعة العالية، لأنه ﷺ في ضوء قاعدة «السبب كالفاعل» (12) تضاف يومياً، حتى الآن، إلى صحيفة كمالاته عبادةٌ عظيمة بقدر عبادات أمته بأكملها. وكما ينال باستعداد غير متناه نفحاتِ الرحمة الإلهية غير المتناهية بشكل غير متناهٍ وبقدرةٍ غير متناهية، كذلك ينال يومياً دعاءً غير محدود ممن لا يُحدّ من أمته.

هذا النبي المبارك ﷺ الذي هو أَنبلُ نتائج الكائنات وأَكملُ ثمراتها والمبلِّغ عن خالق الكون، وحبيبُ رب العالمين، لا تبلغ أحوالُه وأطوارُهُ البشرية التي ذكرَتْها كتبُ السيرة والتاريخ الإحاطةَ بماهيته الكاملة ولا تصل إلى حقيقة كمالاته. فأنّى لهذه الشخصية المباركة الذي كان كلٌّ من جبرائيل وميكائيل مرافقين أمينين (13) له في غزوة بدر أن تنحصر في حالة ظاهرية أو أن تُظهرها بجلاء حادثةٌ بشرية كالتي وقعت مع صاحب الفرس الذي ابتاع ﷺ الفرسَ منه ولكنه أنكر هذا البيع وطلب من الرسول الكريم شاهداً يصدّقه فتقدَّم الصحابي الجليل «خُزيمة» بالشهادة له. (14)

فلئلا يقع أحدٌ في غائلة الخطأ يلزم مَن يسمع أوصافَه ﷺ البشرية الاعتيادية أن يرفع بصرَه دوماً عالياً لينظر إلى ماهيته الحقيقية، وإلى شخصيته المعنوية النورانية الشامخة في قمة مرتبة الرسالة، وإلّا أساءَ الأدبَ، ووقع في الشبهة والوهم.


Yükleniyor...