وهكذا فإن أكملَ ثمراتِ هذا العالم ونتيجتَه ذات الشعور وغايتَه هو الإنسان، فهل يمكن أن يعطي صانعُ هذا العالم الحكيم، الحمدَ والعبادة والشكر والمحبة التي هي ثمرةُ الثمار ذات الشعور إلى غيره تعالى.. فيضيّع حكمتَه الباهرة ويُنزلها إلى دركة العدم.. أو يقلبَ قدرتَه المطلقة إلى عجز.. أو يحوّل علمَه المحيط إلى جهل؟ حاشَ لله وكلا.. ألف ألف مرة!

فهل من الممكن أن يصلَ الشكر والعبادة التي يقدّمها ذوو الشعور الذين هم مدارُ المقاصد الإلهية في بناء قصر الكون ولاسيما الإنسان الذي هو أفضلُهم إزاء النعم التي نالوها، إلى غير صانع قصر الكون وأن يسمح ذلك الصانع الجليل أن يقدم الشكر والعبادة وهي غايةُ المقاصد، إلى غيره تعالى؟

وهل من الممكن أن مَن يُحبّبُ نفسَه إلى ذوي الشعور بأنواع نِعَمه التي لا تُعد ولا تحصى، ويعرّف نفسه إليهم بما لا يُحد من معجزات صنعته ثم يدَع شكرهم وعباداتهم وحمدهم ومحبتهم ومعرفتهم ورضاهم إلى الأسباب والطبيعة، ولا يهتم بها فيدفعهم إلى إنكار حكمته المطلقة ويهوّن من شأن سلطان ربوبيته وينزلها إلى دركة العدم؟ كلا حاش لله مائة ألف مرة.

وهل يمكن أن يكون شريكاً مَن يعجز عن خلق الربيع وعن إيجاد الثمرات كلِّها وعن خلق ثمرة التفاح -المتحدة في العلامات- على الأرض كافة..في الحمد مع المحمود المطلق سبحانه بأن يخلق تفاحة واحدة منها ويقدمها نعمةً إلى أحدهم، ويحصل على شكره؟ حاشَ لله وكلا.. لأن الذي يخلق التفاحة الواحدة هو خالقُ ثمرة التفاح في العالم كله. إذ السكةُ واحدة والعلامةُ واحدة. ثم إنَّ الذي خلق التفاح كله في العالم هو الذي أوجد الحبوب والثمرات التي هي محور الرزق. بمعنى أن من يُنعم بأصغرَ نعمة جزئية على أصغر كائن حي جزئي، هو خالق العالم، وهو الرزاق الجليل لا غيرُه، لذا فالحمد والشكر يخصانه وحده. وأن حقيقة العالم تقول دائماً بلسان الحق: له الحمد من كل أحد من الأزل إلى الأبد.

الكلمة السادسة: [يحيي]

أي أنه هو الذي يهب الحياة، فهو إذن وحده خالق كل شيء، لأن الحياة هي روحُ الكون ونوره وخميرته ونتيجتُه وخلاصته. فمن وهب الحياة وأعطاها فهو خالق الكون جميعاً، وهو المحيي الحي القيوم. نشير إلى برهان عظيم لمرتبة التوحيد هذه بالآتي:


Yükleniyor...