المبحث الثاني

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

﹛﴿ اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَت۪ينُ ﴾|﹜ (الذاريات : ٥٨)


﹛﴿ وَكَاَيِّنْ مِنْ دَٓابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَاۗ اَللّٰهُ يَرْزُقُهَا وَاِيَّاكُمْۘ وَهُوَ السَّم۪يعُ الْعَل۪يمُ ﴾|﹜ (العنكبوت:٦٠)


أيها المؤمن: لقد أدركتَ مما سبق مدى ما تتركه العداوةُ والبغضاء من أضرار جسيمة، فاعلم أن الحرص أيضاً داءٌ كالعداء بل هو أضرُّ على الحياة الإسلامية وأدهى عليها. نعم، الحرصُ بذاته سببُ الخيبة والخذلان، وداءٌ وبيل ومهانةٌ وذلّة، وهو الذي يجلب الحرمان والدناءة.

إنَّ الشاهد القاطع على هذا الحُكم على الحرص، هو ما أصاب اليهود من الذلة والمسكنة والهوان والسفالة لشدة تهالكهم على حطام الدنيا أكثر من أية أمةٍ أخرى.

والحرص يُظهِر تأثيرَه السيئ بدءاً من أوسع دائرة في عالم الأحياء وانتهاء إلى أصغر فرد فيه، بينما السعي وراء الرزق المكلّل بالتوكل مدارُ الراحة والاطمئنان ويُبرز أثَره النافع في كل مكان.

مثال ذلك: أن النباتات والأشجار المُثمرة المفتقرة إلى الرزق -وهي التي تعدّ نوعاً من الأحياء- تُهرَع إليها أرزاقُها سريعةً وهي منتصبةٌ في أماكنها متّسمةٌ بالتوكل والقناعة دون أن يبدو منها أثرٌ للحرص، بل تتفوق على الحيوانات في تكاثرها وتربية ما تولّد من ثمرات. أما الحيوانات فلا تحصل على أرزاقها إلَّا بعد جُهدٍ ومشقة وبكمية زهيدة ناقصة، ذلك لأنها تلهث وراءها بحرص، وتسعى في البحث عنها حثيثاً. حتى إننا نرى في عالم الحيوان نفسه أن الأرزاق تُسبَغ على الصغار الذين يعبِّرون عن توكلهم على الله بلسان حالات ضعفهم وعجزهم، فيُرسَل إليهم رزقُهم المشروع اللطيف الكامل من خزينة الرحمة الإلهية. بينما لا


Yükleniyor...