والدليل على أن تلك الحُلل المتعددة ليست من جنس واحد ولا من نوع واحد هو الحديث الشريف الوارد بهذا المعنى:

( إن الحور العين يلبسن سبعين حُلة ويُرى مخ عظامهن من تحتها) . (33)

بمعنى أنه ابتداءً من أعلى حُلّة من تلك الحلل إلى أدناها هناك مراتب من التذوق والتمتع بحيث تشبع جميع الحواس والمشاعر بلذائذ مختلفة وبأنماط مختلفة.

أما من هو من أهل النار فإنه قد ارتكب السيئات والذنوب ببصره وبسمعه وبقلبه وبعقله وبيده، وبسائر جوارحه وحواسه ومشاعره، فلابد أنه سيُلبس ملابس قطّعت من أجناس مختلفة ليعذَّب بها وليذوق آلاماً متنوعة بحسب كل حاسة وجهاز حتى تصير الملابسُ جهنمَ مصغرة تحيط به. ولا يتنافى هذا ومقتضى الحكمة والعدالة.

النكتة الخامسة

تسألون: هل كان أجداد الرسول ﷺ يدينون بدين في زمن الفترة؟

الجواب: هناك روايات تدل على أنهم كانوا يدينون ببقايا دين إبراهيم عليه السلام، (34) بعد أن مرت بفترات الغفلة والظلمات المعنوية. وقد ظلت متعبَّد بعض الناس الخاصين. فلا ريب أن الذين انحدروا من نسل سيدنا إبراهيم عليه السلام والذين شكّلوا سلسلة نورانية أنتجت سيدَنا الرسول ﷺ لم يكونوا مهملين للدين الحق، ولم يقعوا في ظلمات الكفر، ولكن الآية الكريمة: ﹛﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّب۪ينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾|﹜ (الإسراء: ١٥) تبين أن أهل الفترة يكونون من أهل النجاة، فلا يؤاخذون بخطاياهم في الفروع، بالإتفاق، بل هم أهلُ نجاةٍ عند الإمام الشافعي، والإمام الأشعري، حتى لو وقعوا في الكفر وليس لهم أصول الإيمان، لأن التكليف الإلهي يكون ببعثة الرسل، ويتقرر التكليف بالإطلاع على البعثة.

وحيث إنَّ الغفلةَ ومرور الزمان قد سَترا أديان الأنبياء السابقين، فلا تكون هذه الأديان حُجةً على أهل زمن الفترة، فإن أطاعوا يُثابون، وإن لم يطيعوا لا يُعذّبون، لأنها لا تكون حُجة مادامت مستورةً غيرَ ظاهرة.

Yükleniyor...