لم توافق هذه الوصية آنذاك استعدادي وأحوالي الروحية.. وأخذتُ أفكّر ملياً: أيهما اتبِّع!. أ أسيرُ وراء هذا، أم أسير وراء ذاك؟ احترت كثيراً وكانت حيرتي شديدة جداً، إذ في كل منهما خواصٌ وجاذبية، لذا لم أستطع أن أكتفي بواحد منهما.
وحينما كنت أتقلبُ في هذه الحيرة الشديدة.. إذا بخاطر رحماني من الله سبحانه وتعالى يخطر على قلبي ويهتف بي:
- إن بدايةَ هذه الطرق جميعها.. ومنبعَ هذه الجداول كلِّها.. وشمسَ هذه الكواكب السيارة.. إنما هو «القرآن الكريم» فتوحيد القبلة الحقيقي إذن لا يكون إلّا في القرآن الكريم.. فالقرآن هو أسمى مرشد.. وأقدس أستاذ على الإطلاق.. ومنذ ذلك اليوم أقبلتُ على القرآن واعتصمت به واستمددت منه.. فاستعدادي الناقص قاصر من أن يرتشفَ حق الارتشاف فيضَ ذلك المرشد الحقيقي الذي هو كالنبع السلسبيل الباعث على الحياة. ولكن بفضل ذلك الفيض نفسه يمكننا أن نبين ذلك الفيض، وذلك السلسبيل لأهل القلوب وأصحاب الأحوال، كُلٍّ حسب درجته. ف «الكلمات» والأنوار المستقاة من القرآن الكريم (أي رسائل النور) إذن ليست مسائل علمية عقلية وحدها، بل أيضاً مسائل قلبية، وروحية، وأحوال إيمانية.. فهي بمثابة علوم إلهية نفيسة ومعارف ربانية سامية.
Yükleniyor...