النقطة الثالثة

هوَت صفعاتٌ عنيفة قبل ثلاثين سنة على رأس «سعيد القديم» الغافل، ففكّر في قضية أنَّ «الموت حق». ووجد نفسه غارقاً في الأوحال.. استنجد، وبحث عن طريق، وتحرّى عن منقذ يأخذ بيده.. رأى السُبل أمامه مختلفة.. حار في الأمر وأخذ كتاب «فتوح الغيب» للشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وفتحه متفائلاً، ووجد أمامه العبارة الآتية:

«أنت في دار الحكمة فاطلب طبيباً يداوي قلبك..» (14) يا للعجب!. لقد كنتُ يومئذ عضواً في «دار الحكمة الإسلامية» (15) وكأنما جئت إليها لأداوي جروحَ الأمة الإسلامية، والحال أنني كنت أشدّ مرضاً وأحوج إلى العلاج من أي شخص آخر.. فالأولى للمريض أن يداويَ نفسَه قبل أن يداوي الآخرين.

نعم، هكذا خاطبني الشيخ: أنت مريض.. ابحث عن طبيب يداويك!..

قلت: كن أنت طبيبي أيها الشيخ!

وبدأتُ أقرأ ذلك الكتاب كأنه يخاطبني أنا بالذات.. كان شديدَ اللهجة يحطّم غروري، فأجرى عملياتٍ جراحية عميقة في نفسي.. فلم أتحملْ، ولم أطقْ تحمله.. لأني كنت اعتبر كلامه موجهاً إليّ.

نعم، هكذا قرأتُه إلى ما يقارب نصفه.. لم استطع إتمامه.. وضعت الكتاب في مكانه، ثم أحسستُ بعد ذلك بفترة بأن آلام الجراح قد ولّت وخلّفت مكانَها لذائذَ روحيةً عجيبة.. عُدتُ إليه، وأتممت قراءةَ كتاب «أستاذي الأول». واستفدت منه فوائدَ جليلة، وأمضيتُ معه ساعات طويلة أٌصغى إلى أوراده الطيبة ومناجاته الرقيقة.

ثم وجدتُ كتابَ «مكتوبات» للإمام الفاروقي السرهندي، مجدد الألف الثاني فتفاءلت بالخير تفاؤلاً خالصاً، وفتحتُه، فوجدت فيه عجباً.. حيث ورد في رسالتين منه لفظة «ميرزا بديع الزمان» (16) فأحسست كأنه يخاطبني باسمي، إذ كان اسم أبي «ميرزا» وكلتا


Yükleniyor...