النقطة الرابعة

إن الصحابة الكرام والتابعين وتابعي التابعين -رضوان الله عليهم- ممن لهم أرفع المراتب، وحَظوا بالولاية الكبرى، قد تلقت جميعُ لطائفهم حظَّها من القرآن مباشرة، فأصبح القرآنُ لهم مرشداً حقيقياً وكافياً، وهذا يعني ويدل على أن القرآن مثلما يعبر عن الحقائق في كل زمان فإنه يفيض بفيوضات الولاية الكبرى على مَن هو أهلٌ لها في كل وقت.

نعم، إنَّ العبورَ من الظاهر إلى الحقيقة إنما يكون بصورتين:

الأولى: بالدخول إلى برزخ الطريقة وقطع المراتب فيها بالسير والسلوك حتى بلوغ الحقيقة.

الصورة الثانية: العبور إلى الحقيقة مباشرة برحمة إلهية محضة، دون الدخول في برزخ الطريقة، هذا الطريق خاصٌ ورفيع وسامٍ وقصير جداً، وهو طريق الصحابة الكرام والتابعين رضوان الله عليهم.

فإذن الأنوارُ المترشحة من حقائق القرآن و «الكلمات» التي تترجم تلك الأنوار يمكن أن تكون مالكةً لتلك الخاصية، بل هي مالكةٌ لها فعلاً.

النقطة الخامسة

سنبين بخمسة أمثلة جزئية، أن «الكلمات» مثلما تُعَلّم حقائقَ القرآن فهي تؤدي وظيفة الإرشاد أيضاً.

المثال الأول: لقد اقتنعتُ أنا بالذات قناعة تامة بعد ألوف التجارب المتكررة لا بعشراتها ومئاتها: أنَّ «الكلمات» والأنوار المفاضة من القرآن الكريم ترشدُ عقلي وتعلّمه مثلما تلقّن قلبي أيضاً بأحوال إيمانية كما تُطعم روحي أذواقاً إيمانية.. وهكذا حتى أصبحتُ في إنجاز أعمالي الدنيوية كمثل ذلك المريد الذي ينتظر مدداً من شيخه ذي الكرامات، إذ أصبحتُ استمد من الأسرار القرآنية ذاتِ الكرامة وأنتظر منها حاجاتي تلك، فكانت تحصل بما لا أتوقعه وليس بالحسبان.


Yükleniyor...