وهذه المسألة الثالثة مهمة للغاية وطويلة وعميقة، ولها علاقةٌ بوظائف النبوة، لذا نؤجلها إلى وقت آخر بمشيئة الله ونسد هذا الباب.

النكتة الرابعة:

الرؤيا على أنواع ثلاثة: (4) اثنان منها داخلان ضمن ﹛﴿ اَضْغَاثُ اَحْلَامٍ ﴾|﹜ (يوسف: ٤٤) كما عبّر عنها القرآن الكريم، وهما لا يستحقان التعبير ولا أهمية لهما، وإن كان لهما معنى. إذ إما أن الرؤيا ناشئة من تصوير تصنعه قوةُ خيال الإنسان المصاب بانحراف في مزاجه، وتركّبه حسب نوع ذلك الانحراف. أو أنها ناشئة من تخطّر الخيال لحوادث مثيرة، قد رآها الإنسان نهاراً أو قبل يوم أو حتى قبل سنة أو سنتين. فيعدّلها الخيالُ ويصوّرها ويلبسها شكلاً. فهذان القسمان من قبيل ﹛﴿ اَضْغَاثُ اَحْلَامٍ ﴾|﹜ لا يستحقان التعبير.

أما القسم الثالث، فهو الرؤيا الصادقة.

إنَّ اللطيفة الربانية الموجودة في ماهية الإنسان تجد علاقةً لها مع عالم الغيب، وتفتح منفذاً إليه بعد انقطاع الحواس والمشاعر المربوطة بعالم الشهادة والمتجولة فيه، وبعد توقفها عن العمل. فتنظر اللطيفةُ الربانية بذلك المنفذ إلى حوادث تتهيأ للوقوع، وقد تلاقي أحد جلوات اللوح المحفوظ أو أنموذجاً من نماذج كتابات القَدر، فترى بعض الوقائع الحقيقية، ولكن الخيال يتصرف أحياناً في تلك الوقائع ويُلبسها ملابسَ الصور. ولهذا القسم أنواع كثيرة وطبقات كثيرة. فأحياناً تقع الحادثة كما رآها الشخص وأحياناً تظهر الحادثة وراء ستار خفيف وأحياناً تتستر بستار كثيف سميك.

وقد ورد في الحديث الصحيح: أن الرؤيا التي كان يراها الرسول الكريم ﷺ في بدء الوحي كانت واضحة صادقة ظاهرة كفلق الصبح. (5)

النكتة الخامسة:

إنَّ الرؤيا الصادقة عبارة عن زيادة في قوة «الحس قبل الوقوع» وهذا الإحساس موجود في كل إنسان جزئياً أو كلياً، بل موجود حتى في الحيوانات.


Yükleniyor...