بحركاته وسكناته. إذ لو كان خارقاً للعادة في كل أطواره لَمَا تسنّى له أن يكون إماماً للناس كافة، وقدوةً لهم في جميع شؤونه بالذات، ولَمَا كان مرشداً للناس كافة، ولَمَا كان رحمةً للعالمين في جميع أحواله.

كذلك الأمر في القرآن الحكيم، إذ هو إمامُ أرباب الشعور ومرشدُ الجن والإنس وهادي الكاملين ومعلمُ أهل الحقيقة، (3) فالضرورة تقتضي أن يكون على نمط محاورة البشر وأسلوبه، لأن الإنس والجن يستلهمون مناجاتهم منه، ويتعلمون دعواتِهم منه، ويذكرون مسائلهم بلسانه، ويتعرّفون منه آداب معاشرتهم.. وهكذا يتخذه كل مؤمن به، إماماً له ومرجعاً يرجع إليه.

فلو كان القرآنُ على نمط الكلام الإلهي الذي سمعه سيدُنا موسى عليه السلام في «جبل الطور» لما أطاق البشرُ سماعَه ولا قَدَر على الإنصات إليه، ولا استطاع أن يجعله مرجعاً لشؤونه كافة. فسيدُنا موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل، ما استطاع أن يتحمل إلّا سماع بعضٍ من كلامه سبحانه، حيث قال: أهكذا كلامك؟ قال الله: لي قوة جميع الألسنة. (4)

ولكن الشيطان عاد قائلاً: كثير من الناس يذكرون مسائل دينية شبيهة بما في القرآن، ألا يمكن لبشر أن يأتي بشيء شبيه بالقرآن باسم الدين؟

فقلت مستلهماً من فيض القرآن الكريم:

أولا: إن ذا الدين يبيّن الحق ويقول: الحق كذا، الحقيقة هكذا، وأمرُ الله هذا.. يقوله بدافع حبِّه للدين، ولا يتكلم باسم الله حسب هواه، ولا يتجاوز طورَه بما لا حدّ له، بأن يدّعي أنه يتكلم باسم الله أو يتكلم عنه فيقلّده في كلامه سبحانه، بل ترتعد فرائصُه أمام الدستور الإلهي ﹛﴿ فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّٰهِ ﴾|﹜ (الزمر: ٣٢).

ثانياً: إنَّه لا يمكن بحال من الأحوال أن يقوم بشرٌ بهذا العمل ثم يوفّق فيه، بل هذا محال في مائة محال. لأن أشخاصاً متقاربين يمكنهم أن يقلد أحدُهم الأخر. وربما يمكن لمن هم من جنس واحد أو صنف واحد أن يتقمّص أحدُهم شخصية الآخر، فيستغفلوا الناس مؤقتاً.


Yükleniyor...