ولكن لا يمكن أن يستغفل أحدُهم الناس بصورة دائمة. إذ سيظهر لأهل العلم والمعرفة مدى التصنع والتكلف في أطواره وأفعاله لا محالة. ولابد أن ينكشف كذبُه يوماً، فلا تدوم حيلتُه قط. وإن كان الذي يريد التقليد بعيداً غاية البعد، كأن يكون شخصاً اعتيادياً يريد أن يقلد ابن سينا في العلم، أو راعياً يريد أن يظهر بمظهر السلطان في مُلكه، فلا يتمكن أن يخدع أحداً من الناس، بل يكون موضع استهزاء وسخرية، إذ كل حال من أحواله ستصرخ: إن هذا خدّاع.

وكما أنه محال ظهور اليراعة (ذبابة الليل) لأهل الرصد والفلك بمظهر نجم حقيقي، طوال ألف سنة، دون تكلف! وكما أنه محال ظهور الذباب بمظهر الطاووس لذوي الأبصار، طوال ألف سنة دون تصنع! وكما أنه محال تقمص جندي اعتيادي طور مشير في الجيش واعتلاء مقامه، مدة مديدة، من دون أن يكشف أحدٌ خداعه. وكما أنه محال ظهور مفترٍ كاذب لا إيمان له في طور أصدق الناس وأكثرهم إيماناً وأرسخهم عقيدة، طوال حياته، أمام أنظار المتفحصين المدققين، بلا تردد ولا اضطراب، ويخفي تصنعه عن أنظار الدهاة..

فكما أن هذه الأمثلة محالة في مائة محال، ولا يمكن أن يصدّقها كل من يملك مسكة من عقل، بل لابد أن يحكم أنها هذيان وجنون.. كذلك افتراض القرآن كلام بشر -حاش لله ألف ألف مرة حاش لله- إذ يستلزم عدّ ماهية الكتاب المبين الذي هو نجم الحقيقة اللامع، بل شمسُ الكمالات الساطعة، تشع دوماً أنوارَ الحقائق في سماء عالم الإسلام، كما هو مشاهد.. يستلزم الفرض عدّ ذلك النور الساطع بصيصاً يحمله متصنع، يصوغه من عند نفسه بالخرافات (حاش لله ألف ألف مرة) والأقربون منه والمدققون لأحواله لا يميزون ذلك، بل يرونه نجماً عالياً ومنبعاً ثراً للحقائق! وما هذا إلّا محال في مائة محال. فضلاً عن ذلك فإنك أيها الشيطان، إن تماديت في خبثك ودسائسك أضعاف أضعاف ما أنت عليه الآن، فلن تستطيع أن تجعل هذا المحال ممكناً، ولن تقنع به عقلاً سليماً قط. ولكنك تغرر بالناس بإراءتهم الأمور من بعيد فتريهم النجم اللامع صغيراً كاليراعة.

ثالثاً: إنَّ افتراض القرآن كلام بشر يستلزم أن تكون حقائق وأسرار الفرقان الحكيم ذي المزايا السامية والبيان المعجز، الجامع لكل رطب ويابس، الذي له آثار جليلة في عالم الإنسانية، وتجليات باهرة وتأثيرات طيبة مباركة ونتائج قيمة -كما هو مشاهد- إذ هو الذي


Yükleniyor...