فإنْ شِئْتَ فانظرْ إليه وهو في الصلاة الكبرى، التي بعظمة وِسْعَتِها صيّرتْ هذه الجزيرة بل الأَرض مصلين بتلك الصلاة الكبرى.. ثم انظرْ أَنَّه يصلي تلك الصلاة بهذه الجماعة العظمى، بدرجة كأَنَّه هو إمامٌ في محراب عصره واصطَفَّ خلفَه، مقتدين به جميعُ أَفاضل بني آدم، من آدم عليه السلام إلى هذا العصر إلى آخر الدنيا في صفوف الأعصار مؤتمّين به ومؤمِّنين على دعائه. ثم استمع ما يفعل في تلك الصلاة بتلك الجماعة.. فها هو يدعو لحاجةٍ شديدة عظيمة عامة بحيث تشترك معه في دعائه الأَرض بل السماء بل كل الموجودات، فيقولون بأَلسنة الأَحوال: نعم يا ربنا تقبّل دعاءه؛ فنحن أيضاً بل مع جميع ما تجلّى علينا من أَسمائك نطلب حصولَ ما يطلب هو.. ثم انظر إلى طوره في طرز تضرعاته كيف يتضرع؛ بافتقار عظيم، في اشتياق شديد، وبحزن عميق، في محبوبية حزينة؛ بحيث يهيّج بكاء الكائنات فيبكيها فيُشركها في دعائه. ثم انظرْ لأي مقصد وغاية يتضرع؟ ها هو يدعو لمقصد لولا حصول ذاك المقصد لسقط الإنسان، بل العالم، بل كل المخلوقات إلى أَسفل سافلين لا قيمة لها ولا معنى. وبمطلوبه تترقّى الموجودات إلى مقامات كمالاتها.. ثم انظرْ كيف يتضرع باستمداد مديد، في غياث شديد، في استرحام بتودد حزين، بحيث يُسمع العرش والسماوات، ويهيّج وَجْدها، حتى كأَنَّ العرشَ والسماوات يقول: آمين اللهم آمين.. ثم انظرْ ممن يطلب مسؤولَه؛ نعم! يطلب من القدير السميع الكريم ومن العليم البصير الرحيم، الذي يَسمَع أَخفى دعاء من أَخفى حيوان في أَخفى حاجة؛ إذ يجيبه بقضاء حاجته بالمشاهدة، وكذا يبصر أَدنى أمَلٍ في أَدنى ذي حياةٍ في أَدنى غايةٍ، إذ يوصله إليها من حيث لا يحتسب بالمشاهدة، ويكرم ويرحم بصورة حكيمة، وبطرز منتظم. لا يبقى ريب في أَنَّ هذه التربية والتدبير من سميع عليم ومن بصير حكيم.

الرشحة الثالثة عشرة:

فيا للعجب!.. ما يطلب هذا الذي قام على الأَرض، وجَمَع خلفه جميع أفاضل بني آدم ورفع يديه متوجهاً إلى العرش الأَعظم يدعو دعاءً يؤَمّن عليه الثقلان. ويُعلَم من شؤونه أنَّه شرفُ نوع الإنسان، وفريدُ الكون والزمان، وفخرُ هذه الكائنات في كل آن، ويستشفع بجميع الأَسماء القدسية الإلهية المتجلية في مرايا الموجودات، بل تدعو وتطلب تلك الأَسماء عينَ ما يطلب هو؛ فاستمع! ها هو يطلب البقاء واللقاء والجنة والرضا. فلو لم يوجد مالا

Yükleniyor...