يا ترى إذا روى صحابةٌ ثقاة أجِلاء من أمثال أنس وجابر وابن مسعود وقال كلٌّ منهم: «رأيت»، أمِنَ الممكن عدم رؤيتهم؟

وبعد؛ وَحِّد هذه الأمثلة معاً، لترى مدى قوة هذه المعجزة الباهرة، لأن الطرق الثلاثة إذا ما توحّدت فستثبُت الروايةُ إثباتاً قاطعاً بالتواتر المعنوي، من أن الماء كان يفور من أصابعه ﷺ فهذه المعجزةُ أعظم وأسمى من تفجير موسى عليه السلام الماءَ من اثنتي عشرة عيناً من الحجر، لأن انفجار الماء من الحجر شيءٌ ممكن له نظيرُه حسب العادة، ولكن لا نظير لفوران الماء من اللحم والعظم كالكوثر السلسبيل.

المثال الرابع: روى الإمام مالك في كتابه القيّم «الموطأ» عن أجِلّة الصحابة «عن معاذ بن جبل في قصة غزوة «تبوك» أنهم وردوا العينَ وهي تبضّ بشيء من ماء (138) مثل الشراك» فأمر رسول الله ﷺ أن: اجمعوا من مائها «فغَرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء. ثم غسلَ رسولُ الله ﷺ فيه وجهَه ويديه وأعادَه فيها فَجَرت بماء كثير فاستقى الناسُ» حتى قال في حديث ابن إسحاق «فانخرق من الماء مالَه حِسّ كحس الصواعق. ثم قال: يوشِك يا معاذ إن طالتْ بك حياةٌ أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً» (139) وكذلك كان.

المثال الخامس: روى البخاري عن البراء، ومسلم عن سلمة بن الأكوَع، وعن طرق أخرى في كتب الصحاح الأخرى «كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها، حتى لم نترك فيها قطرةً فجلس النبي ﷺ على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومجّ في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استسقينا حتى روينا ورَوَت أو صَدَرَت ركائبُنا» (140) قال البراء: فأمر ﷺ بدلوٍ من مائها، فأتينا بها، فألقى ريقَه من فمه المبارك ودعا، ثم بعد ذلك أفرغ الدلوَ في البئر ففارتْ وارتفعت ملء فمها فأروَوا أنفسَهم وركابهم.

المثال السادس: روى أئمةُ الحديث، أمثال مسلم وابن جرير الطبري وغيرهما عن أبي قتادة أنه قال: «أن النبي ﷺ خرج بهم مُمدّاً لأهل مؤتة عندما بلغه قَتْل الأمراء» (141) وكانت

Yükleniyor...