وهكذا، فإن معجزة البركة التي يرويها أبو هريرة، وهو الذي تتلمذ على معلّم الكون وسيده محمد ﷺ ولازمَ مدرسةَ الصفّة وبزّ فيها بالحفظ بدعاء النبي له، فهذا الصحابي الجليل يروي هذه الرواية في مجمّع من الناس -كغزوة تبوك- فلا بد أن تكون هذه الرواية متواترةٌ من حيث المعنى، وقويةٌ متينة بقوة الجيش كلِّه أي كما لو كان الجيشُ كلُّه يرويها.
المثال السادس عشر: ثبت في صحيح البخاري والصحاح الأخرى: أن الجوع أصابَ أبا هريرة، «فاستَتَبعَه النبي ﷺ، فوجد لبناً في قدح أُهدي إليه، وأمره أن يدعو أهلَ الصُفة. قال: فقلتُ ما هذا اللبن فيهم، كنتُ أحقَّ أن أصيبَ منه شربةً أتقوّى بها، فدعَوتُهم»، وكانوا ينوفون على المائة، فأمر ﷺ أن اسقيهم «فجعلتُ أُعطي الرجل فيشرب حتى يروي. ثم يأخذه الآخر حتى رَوِي جميعُهم قال: فأخذ النبي ﷺ القدحَ وقال: بقيتُ أنا وأنت، أُقعُد فاشرب. فشربتُ ثم قال: اشرب. وما زال يقولها وأشربُ حتى قُلتُ: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدحَ وحمد الله وسمّى وشرب الفضلة». (127) فهنيئاً لك مائة ألف مرة يا رسول الله.
فهذه المعجزة السليمة من شوائب الشك والخالصة اللطيفة كاللبن قد روتها كتب الصحاح وفي مقدمتها صحيح الإمام البخاري الذي كان حافظاً لخمسمائة ألف حديث.
Yükleniyor...