مراجعتهم تعني إبداءَ ندامةٍ عن الدين وملاطفةٍ لمسلك الزندقة، فضلاً عن أن القدر الإلهي العادل سيعذبني بأيديهم الأثيمة إن التجأتُ إليهم أو راجعتُهم، لأنهم يضايقونني لتمسكي بالدين، بينما القدر الإلهي يضايقني لنقائصي وقصوري في التقوى والإخلاص ولتزلفي أحياناً إلى أهل الدنيا. فلا نجاةَ لي إذن من هذه المضايقات في الوقت الحاضر. إذ لو راجعتُ أهلَ الدنيا لقال القدَر: أيها المرائي! ذق جزاء مراجعتك هذه. وإن لم أراجع أهل الدنيا لقالوا: إنك لا تعترف بنا، فلازِم المضايقات.

السبب السابع: من المعلوم أن وظيفة أي موظف كان هي الأخذُ على يد مَن يلحق الضرر بالمجتمع ومعاونة النافعين لهم. فعندما كنت أوضّح ذوقاً لطيفاً في كلمة «لا إله إلّا الله» لشيخ هرم اقترب من باب القبر، أتاني الموظف المسؤول عن مراقبتي وكأنه يريد القبض عليّ وأنا متلبّس بجريمة نكراء. علماً أنه ما كان يأتيني في أغلب الأحيان، ولكنه حضر في ذلك الوقت وكأنني أقترف جريمة، فحرم ذلك المستمع إلى الموضوع بإخلاص، وأثار غضبي. علماً أنه ما كان يلتفت إلى أشخاص في القرية بل بدأ يلاطف ويقدّر أولئك الذين يعربدون ويبثون سموماً في المجتمع.

ومن المعلوم كذلك لو أن مجرماً، ارتكب مائة جريمة، يستطيع أن يقابل مسؤوليه في السجن سواءً أكانوا من الجنود أو الضباط أو الآخرين. بينما المسؤول عن مراقبتي، واثنان من ذوي الشأن لدى الحكومة، لم يسألوا عن حالي ولم يقابلوني قطعاً طوال سنة من الزمان، رغم أنهم مرّوا مراراً أمام غرفتي. فقد كنت أظن أنهم لا يتقربون مني بسبب العداء، ولكن تحقق بالتالي، أن ذلك نابع مما كان يساورهم من شكوك وريوب، فهم يفرّون مني وكأنني سأبتلعهم.

فمراجعةُ حكومةٍ، رجالُها وموظفوها أمثالُ هؤلاء ليس من العقل في شيء، بل ما هي إلّا ذلة وخنوع لا طائل وراءه.

فلو كان سعيد القديم موجوداً لقال مثلما قال «عنترة»:

ماءُ الحياة بذلةٍ كجهنم وجهنم بالعزّ أفخرُ منزلِ


Yükleniyor...