حوادث في عالم الإنسانية. ثم استصوب هجومهم هذا من قبل الكثيرين، وترقى الإفرنج بعد ذلك كثيراً!».

الجواب: إن الفرق في هذا القياس -كسابقه- فرق ظاهر جداً، لأن النصرانية، ولا سيما مذهب الكاثوليك قد استغله رجالات الدولة وخواص الناس كأداة للتحكم والاستبداد. فكان الخواص يديمون نفوذهم على العوام بتلك الوساطة. حتى أصبحت وسيلة لسحق أصحاب الهمم والحمية من العوام الذين كانوا يُطلق عليهم اسم؛ (الفوضويين والدهماء)، وباتت وسيلة لسحق المفكرين من دعاة الحرية الذين كانوا يتصدون لاستبداد الخواص ومظالمهم. بل قد عُدّ ذلك المذهب هو السبب في سلب راحة الناس وبث الفوضى في الحياة الاجتماعية، بسبب الثورات التي حدثت في بلاد الإفرنج طوال ما يقارب أربعمائة سنة، لذا هوجم ذلك المذهب باسم مذهب آخر للنصرانية لا باسم الإلحاد. ونما السخط والعداء عليه لدى طبقة العوام ولدى الفلاسفة، حتى وقعت تلك الحادثة التاريخية المعروفة.

بينما في الإسلام، لا يحق لأي مظلوم كان، ولا لأي مفكر كان أن يشكو من الدين المحمدي (على صاحبه الصلاة والسلام) والشريعة الإسلامية، لأن هذا الدين لا يسخطهم بل يحميهم، وهذا تاريخ الإسلام بين أيدينا، فلم تحدث صراعات دينية طوال التاريخ سوى حادثة أو حادثتين. بينما سبّب المذهب الكاثوليكي ثورات داخلية دامت أربعمائة سنة.

ثم إن الإسلام قد أصبح حصناً حصيناً للعوام أكثر منه للخواص، إذ لا يجعل الخواص مستبدين على العوام بل يجعلهم خادمين لهم -من جهة -وذلك بوجوب الزكاة وتحريم الربا. إذ يقول: (خير الناس أنفعهم للناس) .. (16) (سيد القوم خادمهم) . (17)

فضلاً عن أنه يستشهد العقل وينبهه بإحالة كثير من الأمور -في القرآن الكريم -إلى العقل، ويحثه على التدبر والملاحظة. بقوله تعالى: ﹛﴿ اَفَلَا يَعْقِلُونَ... اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ... لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ..﴾|﹜ فيمنح لأهل العلم وأرباب الفكر والعقل بهذا مقاماً رفيعاً باسم الدين ويوليهم أهميةً خاصة، فلا يعزِل العقلَ، ولا يحجر على عقول أهل الفكر ويكمّم أفواهَهم، ولا يطلب التقليد الأعمى، كما هو في المذهب الكاثوليكي.


Yükleniyor...