قال: أنا شيخ كبير، ربما أعيش عشر سنوات أخرى!

قلت: إن احتمال الموت واقع في كل يوم، حيث الأجل مخفيٌّ عنا. لذا فهناك احتمال الموت في كل يوم، أي لك ثلاثة آلاف وستمائة احتمال للموت. فليس أمامك إذن احتمال واحد من بين ثلاثمائة ألف احتمال -كما في الزورق -وإنما احتمال من بين ثلاثة آلاف احتمال فلربما يقع الاحتمالُ هذا اليوم. فما عليك إذن إلّا الهلع والبكاء، وكتابة وصيتك!

أثّر هذا الكلام فيه وآب إلى رشده، فركّبته الزورق وهو يرجف، قلت له ونحن في الزورق:

إنَّ الله سبحانه وتعالى قد منحنا الشعورَ بالخوف لنحفظ به الحياة، لا لهدم الحياة وتخريبها، ولم يمنحنا هذا الشعورَ لنجعلَ الحياةَ أليمة ومعضلة ومرهقة. فإن كان الخوف ناشئاً من احتمالين أو ثلاثة بل حتى من خمسة أو ستة احتمالات فلا بأس به، فلربما يعدّ ذلك خوفاً مشروعاً من باب الحيطة والحذر. أما إن كان الخوف ناشئاً من احتمال واحد من بين عشرين أو أربعين احتمالاً فليس هذا خوفاً، وإنما وهمٌ يستولي على الإنسان ويجعل حياته عذاباً وشقاءً.

فيا إخوتي! إذا ما هجم عليكم مهرّجو أهل الضلالة والمتزلفون لأهل الإلحاد ليرهبوكم ويجعلوكم تتخلَّون عن جهادكم المعنوي المقدس، قولوا لهم:

نحن حزب القرآن، نحتمي بقلعة القرآن العظيم الحصينة، والقرآن العظيم محفوظ يحفظه الرب الكريم بقوله تعالى: ﹛﴿ اِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾|﹜ (الحجر: ٩) فلقد أحاطَنا سورٌ عظيم هو سُور ﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ (آل عمران: ١٧٣) فلن تستطيعوا أن تدفعونا -باختيارنا- إلى طريق يؤدي حتماً إلى آلاف الأضرار التي تلحق بحياتنا الأبدية خوفاً من إلحاق ضرر بسيط باحتمالٍ واحد من بين ألوف الاحتمالات بحياتنا الدنيوية القصيرة هذه.

وقولوا لهم: مَن منا ومَن مثلنا في طريق الحق قد تضرر بسبب «سعيد النورسي» الذي هو زميلُنا في خدمة القرآن الكريم، وأستاذنا في تدابير أمور تلك الخدمة المقدسة ورائدُنا في العمل؟ ومَن من طلابه الخواص قد اُبتلوا ببلاء حتى نُبتلى نحن أيضاً، أو نضطربَ ونقلق


Yükleniyor...