(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) . (10)

وهكذا يسقط الأناني المفتون بحب الجاه واللاهث وراء الشهرة (الرجل الثاني) ويتردى إلى أسفل سافلين في نظر جماعة غفيرة غير محدودة، ويكسب موقعاً مشؤوماً موقتاً لدى عدد من السفهاء الساخرين الطائشين، إذ لا يجد حوله غير أصدقاء مزيّفين مضرين له في الدنيا وسبب عذابٍ في البرزخ وأعداء في الآخرة كما قال تعالى: ﹛﴿ اَلْاَخِلَّٓاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ اِلَّا الْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ (الزخرف: ٦٧).

أما الرجل في الصورة الأولى فإن لم يُزل حبَّ الجاه من قلبه، يكسب نوعاً من مقام معنوي مشروع مهيب، يشبع إشباعاً تاماً عرقَ حب الجاه المغروز فيه، ولكن بشرط اتخاذ الإخلاص ورضى الله أساساً له، مع عدم اتخاذ حب الجاه هدفاً له.

فهذا الرجل يفقد شيئاً ضئيلاً، بل ضئيلاً جداً، مما لا أهميةَ له، ولكن يكسب عوضَه شيئاً كثيراً، بل كثيراً جداً، مما له قيمةٌ عظيمة ومما لا ضرر فيه. بل إنه يطرد عن نفسه عدداً من الثعابين ويجد بدلاً عنها كثيراً من مخلوقات مباركة صديقاً له، فيستأنس بهم. أو يكون كمن يهيّج ما حولَه من الزنابير، إلاّ أنه يجلب لنفسه النحل التي هي سقاة شراب الرحمة فيتسلّم من أيديهم العسل. أي أنه يجد من الأحباب من يفيض عليه بدعواتهم ويسقون روحَه شراباً سلسبيلاً كالكوثر، يُجلَب له من أطراف العالم الإسلامي، ويسجَّل ثواباً له في دفتر أعماله.

ولقد ألقيتُ -في وقت ما- فحوى التمثيل السابق بقوة وصرامة في وجه إنسان صغير كان يُشغل مقاماً عظيماً دنيوياً، والذي أصبح موضعَ استهجانٍ وسخرية من قبل العالم الإسلامي لارتكابه حماقة كبيرة في سبيل الشهرة.

هزّه ذلك الدرس هزّاً عنيفاً، ولكن لعدم استطاعتي إنقاذَ نفسي من حب الجاه لم ينبّهْه إيقاظي ذاك.


Yükleniyor...