نظر الناس عن الارتفاع إلى تلك المرتبة، ثم إنهم يريدون أن يغالطوا ليسيطروا على المسافة كلها باستثناء قمة المنارة.

ولأجل فض المناقشة بين الفئتين، اندفع أحدهم في الميدان وخاطب حزب الشيطان قائلاً:

أيتها الجماعة المشؤومة، إن كان مقامُ ذلك المؤذن العظيم في قعر البئر للزم أن يكون جامداً كالحجر لا حياة فيه ولا قوة، ولمَا كان يشاهَد في أية مرتبة من مراتب المنارة أو البئر. ولكن وما دمتم تشاهدونه في كل المراتب، فلاشك ألّا يكون جامداً لا حقيقة له ولا حياة، بل لابد أن يكون مقامه قمة المنارة. لذا فإما أن تظهروه في قعر البئر -وهذا ما لا تقدرون عليه قطعاً ولا تستطيعون أن تقنعوا به أحداً أبداً- أو ألزموا الصمت، فإن ميدان دفاعكم محصور في قعر البئر. أما بقيةُ الميدان والمسافة الطويلة فإنها تخص هذه الجماعة، الجماعة المباركة فإنهم أينما أظهروه، سوى قعر البئر، فهم يكسبون القضية.

وهكذا فإن مبحث المناظرة مع الشيطان شبيه بهذا التمثيل، فإنه يأخذ الميدان الممتد من العرش إلى الفرش، من يد حزب الشيطان ويحصرهم في أضيق مكان وهو قعر البئر، ويقحمهم في أضيق ثقب لا يمكنهم الدخول فيه، بل هو محال وغير معقول قطعاً، وفي الوقت نفسه يستولي على المسافة كلها باسم القرآن الكريم.

فإن قيل لهم: كيف ترون مرتبة القرآن؟

فسيقولون: كتاب إنساني يرشد إلى الأخلاق الحسنة، وعندها يقال لهم:

إذن هو كلام الله، إذ أنتم مضطرون إلى قبول هذا، لأنكم لا تستطيعون القول ب «حسن» حسب مسلككم.

وكذا إن قيل لهم: كيف تعرفون الرسول ﷺ ؟

فسيقولون: إنه إنسان ذو أخلاق حسنة وعقل راجح، وعندها يقال لهم:

إذن عليكم الإيمان به، لأنه إن كان ذا أخلاق حسنة، وعقل راجح فإنه رسول الله، لأن قولكم «حسن» لا يوجد في مسلككم..


Yükleniyor...