للعناد المجازي الذي هو خصلة مرذولة إلى خصلة سامية وسجية طيبة وهي العناد الحقيقي، وهو الثبات الشديد على الحق.

وهكذا على غِرار هذه الأمثلة الثلاثة فإن الأجهزة المعنوية الممنوحة للإنسان إذا ما استعملها في سبيل النفس والدنيا، غافلاً وكأنه مُخلَّد فيها؛ تصبح تلك الأجهزة المعنوية منابع أخلاق دنيئة ومصادر إسرافات في الأمور ومنشأَ عبثيةٍ لا طائل وراءها. ولكن إذا ما وجّه أحاسيسه تلك، الخفيفةَ منها إلى الدنيا والشديدةَ منها إلى العقبى وأعمال الآخرة والأفعال المعنوية، فإنها تكون منشأ للأخلاق الفاضلة وسبيلاً ممهداً إلى سعادة الدارين ومنسجماً انسجاماً تاماً مع الحكمة والحقيقة.

ومن هنا فإني أخال أن سبباً من أسباب عدم تأثير نصيحة الناصحين في هذا الزمان هو: أنهم يقولون لسيئي الخُلق: لا تحسُدوا. لا تحرصوا. لا تعادوا. لا تعاندوا. لا تحبُّوا الدنيا. بمعنى أنهم يقولون لهم غيّروا فطرتكم. وهو تكليف لا يطيقونه في الظاهر. ولكن لو يقولون لهم: اصرفوا وُجُوهَ هذه الصفات إلى أمور الخير، غيّروا مجراها، فعندئذ تجدي النصيحة وتؤثر في النفوس، وتكون ضمن نطاق إرادة الإنسان واختياره.

رابعاً:

لقد دار بين علماء الإسلام كثيراً بحثٌ حول الفروق بين الإيمان والإسلام. فقال قسم: كلاهما واحد. وآخرون قالوا: إنهما ليسا واحداً، بل لا ينفك أحدُهما عن الآخر. وأوردوا آراءً كثيرة مختلفة مشابهة لهذا. وقد فهمت فرقاً بينهما كهذا:

إن الإسلام التزامٌ، والإيمان إذعان. أو بتعبير آخر: الإسلام هو الولاء للحق والتسليم والانقياد له. أما الإيمان فهو قبول الحق وتصديقه.

ولقد رأيت -فيما مضى- بعضاً ممن لا دين لهم يظهرون ولاءً شديداً لأحكام القرآن، بمعنى أن ذلك الملحد قد نال إسلاماً بجهة التزامه الحقَ، فيُقال له: مسلم بلا دين. ثم رأيت بعض المؤمنين لا يظهرون ولاءً لأحكام القرآن ولا يلتزمون بها، أي أنهم ينالون عبارة: مؤمن غير مسلم.

تُرى أيمكن أن يكون إيمانٌ بلا إسلام سبب النجاة يوم القيامة؟

Yükleniyor...