إن الاختلاف الوارد في الحديث هو الاختلاف الإيجابي البنّاء. ومعناه: أن يسعى كلُّ واحد لترويج مسلكِه وإظهارِ صحة وجْهتِه وصواب نظرته، دون أن يحاول هدمَ مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم، بل يكون سعيُه لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلاً. أما الاختلاف السلبي فهو محاولةُ كل واحد تخريب مسلك الآخرين وهدمه، ومبعثُه الحقدُ والضغينة والعداوة، وهذا النوع من الاختلاف مردود أصلاً في نظر الحديث، حيث المتنازعون والمختلفون يعجزون عن القيام بأي عمل إيجابي بنّاء.

وجواباً عن السؤال الثاني نقول:

إن كان التفرق والتحزب لأجل الحق وباسمه، فلربما يكون ملاذَ أهل الحق، ولكن الذي نشاهده من التفرق إنما هو لأغراض شخصية ولهوى النفس الأمارة بالسوء. فهو ملجأ ذوي النيَّات السيئة بل متكأُ الظَلمة ومرتكزُهم، فالظلم واضح في تصرفاتهم. فلو أتى شيطان إلى أحدهم معاوناً له موافقاً لرأيه تراه يُثني عليه ويترحّم عليه، بينما إذا كان في الصف المقابل إنسانٌ كالملَك تراه يلعنه ويقذفه.

أما عن السؤال الثالث فنقول:

إن تصادم الآراء ومناقشة الأفكار لأجل الحق وفي سبيل الوصول إلى الحقيقة إنما يكون عند اختلاف الوسائل مع الاتفاق في الأسس والغايات، فهذا النوع من الاختلاف يستطيع أن يقدّم خدمةً جليلة في الكشف عن الحقيقة وإظهار كل زاوية من زواياها بأجلى صوَر الوضوح. ولكن إن كانت المناقشة والبحثُ عن الحقيقة لأجل أغراض شخصية وللتسلط والاستعلاء وإشباع شهوات نفوس فرعونية ونيل الشهرة وحب الظهور، فلا تتلمع بارقةُ الحقيقة في هذا النوع من بسط الأفكار، بل تتولد شرارةُ الفتن. فلا تجد بين أمثال هؤلاء اتفاقاً في المقصد والغاية، بل ليس على الكرة الأرضية نقطةُ تلاقٍ لأفكارهم، ذلك لأنه ليس لأجل الحق، فترى فيه الإفراط البالغ دون حدود، مما يُفضي إلى انشقاقات غير قابلة للإلتئام. وحاضر العالَم شاهد على هذا..

وصفوة القول: إن لم تكن تصرفاتُ المؤمن وحركاتُه وفقَ الدساتير السامية التي وضعها الحديث الشريف: (الحبُ في الله والبُغضُ في الله) (5) والاحتكام إلى أمر الله في الأمور

Yükleniyor...